د. محمد عبدالله الخازم
برامج المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد صدقات أو عمل خيري تقوم به المؤسسة، بل عمل مؤسسي يهدف إلى النهوض ببيئة ومجتمع المؤسسة وتحقيق عوامل الرفاهية الإضافية لهم. وتجاوزًا للتفاصيل العلمية في التعريفات وبعضها ملتبس في ذهن المتلقي نبسط مفهوم المسؤولية الاجتماعية بأنها كل ما تقدمه المؤسسة بشكل مؤسسي منظم خارج إطار مسؤوليتها التعاقدية والقانونية تجاه منسوبيها ومجتمعها. على سبيل المثال، الإطار التعاقدي مع عضو هيئة التدريس هو العمل وفق راتب ومكافآت أو منافع محددة وفق النظام لكننا حينما نوجد نظام ادخار ميسر للموظفين أو مساكن فنحن نقدم لهم عملا إضافيا يتجاوز الالتزام التعاقدي معهم، وبالتالي نصنفه ضمن إطار المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها الجامعة لمنسوبيها.
الجامعات تعد منظومة ومجتمعا مصغرا بذاته، لذا تتشعب مسؤوليتها الاجتماعية لتشمل مسؤوليتها تجاه طلابها وتجاه أعضاء هيئة التدريس والموظفين وتجاه الفئات الخاصة وتجاه البيئة وتجاه المجتمع والوطن والمنظمات ذات العلاقة بها. وفي وقت الأزمات تتضح بشكل أكبر الأدوار التي تقوم بها المنظمات في مجال المسؤولية الاجتماعية، وهنا سؤالنا للجامعات والكليات الأهلية ماذا قدمت لطلابها وأساتذتها ومجتمعها خلال جائحة كورونا؟ هل أدركت مسؤوليتها الاجتماعية في هذه الأزمة أم اكتفت بالصمت؟
تحول التعليم عن بعد، فلم تبادر بتخفيض الرسوم الدراسية بالرغم من أنه حق الطلاب المطالبة بذلك طالما يقدم لهم تعليمًا دون ما اتفق عليه عند قبولهم؟ ولم تعلن مبادرات تحفيزية أو تعويضة تخص العام الدراسي المقبل؟ أساتذة وموظفو وطلاب الكليات والجامعات الأهلية، ماذا قدم لهم من دعم خلال الجائحة؟ هل ضمنت رواتبهم وحقوقهم التعاقدية خلال فترة الانقطاع والفترة المقبلة؟ هل تم دعم سكنهم وسفرهم وعلاجهم وفحوصاتهم خلال الجائحة؟ المجتمع ماذا قدمت له تلك الكليات؛ هل أسهمت في حملات دعم واضحة للمتضررين والمحتاجين جراء الجائحة، سواء صحية أو اجتماعية أو غير ذلك؟ هل دعمت إجراء أي دراسات أو بحوث لها علاقة بالجائحة وتداعياتها؟
أكتب عن الأغلبية وربما هناك مبادرات فردية لم تعلن، وقد قرأت مطالبة مسؤول إحدى الجامعات الأهلية بالدعم الحكومي لهم خلال الجائحة. كنت أود أن ندعمهم إذا كان هناك مبادرات واضحة، مثل تخفيض الرسوم الدراسية. سندعمهم إذا كانت هناك مبادرات بحثية أو مجتمعية من قبلهم. ذلك المسؤول كان يذكر مثالاً الجامعات الأمريكية ونسي بأن الجامعات الأمريكية خسرت في أسهمها وخسرت بعض طلابها الذين انسحبوا من الدراسة وخسرت بسبب تخفيضها للرسوم الدراسية وخسرت بعض دعم البحوث وخسرت الطلاب الأجانب، فماذا خسرت الكليات والجامعات الأهلية السعودية لتستحق على إثرها الدعم؟
سبق أن طالبت وأكرر ذلك لمسؤولي التعليم العالي الأهلي؛ أنظمة الكليات والجامعات الأهلية لا تزال متواضعة ولا بد من مراجعتها لتكون مؤسسات جامعية بحثية ناضجة ولتكون مؤسسات استثمارية تعليمية تملك صفة الاستدامة وتمكنها من الاستقلالية والمساهمة في منتجات التعليم العالي التي تتجاوز التعليم. آن الأوان لتتحول الجامعات الأهلية من مجرد مؤسسات تعتمد على الرسوم الدراسية وبعض الهبات أو الصدقات من مؤسسيها إلى مؤسسات أكاديمية واستثمارية وبحثية ومجتمعية مرموقة ومنافسة.