عبدالعزيز السماري
مر العالم بأزمة ليست كغيرها من الأزمات الصحية، وربما لأول مرة في التاريخ يتحول الطب وصحة الإنسان إلى خبر يتصدر نشرات الأخبار، وتصاريح السياسيين، وقد كشفت أيضاً لأول مرة بشفافية مدى تغلل فساد الإنسان في البحث العلمي، فالأمر يتجاوز البحث عن شفاء للكارثة، ولكن سباقا مثيرا بين الشركات عن أيهم يفوز بسباق المليارات، وبعد تجاوز معركة الدواء، سنبدأ قريباً الصراع حول اللقاح، والتي لن تقل مرارة عن سابقتها.
لكن الملاحظ محلياً أنه في خضم هذه المعارك بين بروتوكولات الأدوية، لم تخرج ورقة بحث محلية عن التجربة المتغيرة في علاج وباء كورونا في المستشفيات الجامعية أو الأكاديمية، وكأنهم ينتظرون إجابات من مكان آخر، بينما لديهم مختلف البيانات عن المراحل الثلاث، والتي أتسمت بتقلبات في استراتيجيات العلاج.
البحث العلمي كم هائل من الأسئلة التي لا تتوقف عن الظهور كلما خرجنا من أزمة إلى أخرى، ولكن يبدو أن ثقافة الأسئلة في مجتمعنا ليست طبيعة، ولم نكتسبها بعد، فالملاحظ وجود قاعدة قوية من الإجابات الجاهزة لكل سؤال، ولو كانت من وحي خيال المجيب، فالسهل أن يصدر جوابا، ولو كان ليس لديه سند علمي.
لم يأتِ هذا الواقع من فراغ، فقد عاش المجتمع عقوداً من الزمن، بل قرون على تلقي الإجابة القطعية عن السؤال على طريقة قال فلان، ولم نخرج منها، ولهذا السبب على وجع التحديد يتضايق البعض من إثارة الأسئلة، لأنها تولد لديهم عدم الثقة أو الشك الذي لا يؤدي إلى حالة اليقين والطمأنينة والسكون.
من ملاحظاتي المتواضعة أثناء هذه الأزمة أن بعضهم يغضب من نشر نتائج بعض الأبحاث، لأنها تثير الرعب، بينما ذلك غير صحيح، فالأبحاث في أكثرها محاولات لتقديم أجوبة على بعض الأسئلة المثارة، ونعاني من ذلك لكراهية الأسئلة في ثقافتنا، فالسؤال شيء سلبي إذا تكرر، والنقد غير مستحب لأنه يخرج عن باب الستر في الثقافة الدينية.
ما حدث للعقل العربي قبل قرون عديدة من انتكاسة كان له دور في إحباطه بعد القرون الذهبية في عصور المجد، فقد تم تقريعه من خلال بعض رجال الدين، فقد شككوا في أغراض العلماء من التفكير العلمي والنقدي، ووجهوا لهم سهام التكفير إلى أن وصلنا إلى مرحلة تحريم التكنولوجيا في بدايتها.
ما زلت أنتظر أن تخرج أوراق علمية عن تجربتنا الثرية في وباء كورونا، وعما حدث أثناء الأزمة من تقلبات وتدخلات، وهل استفدنا منها، ولا أخفي أن بعض الباحثين يشتكي من اللجان التي تقر البحث العلمي، فبعضها يمارس سلطة تقليدية في تحديد أي بحث يقبل وأيهم يرفض، بدلاً من تشجيع البحث العلمي، وفتح الباب للتكفير عالياً، والمشاركة في الإجابة عن بعض الأسئلة المثارة عالمياً.
أرى من زاويتي الضيقة أن التفكير البيروقراطي والمبني على عقل تقليدي قديم له علاقة بالأمر، وهو ما حول المجتمع إلى عقل غير منتج، ولكن إلى مستهلك للبضائع المستورة والأفكار المستورة، ولا ضير من ذلك، فنحن نحتاج العالم، لكن أيضاً نحتاج أن نوثق خبراتنا وتجاربنا في الوباء من أجل منفعة المجتمع.