د. أحمد الفراج
كتبت في المقال الماضي عن رومانسية الإعلام الأمريكي مع الرئيس أوباما، وهي قصة حب عجيبة، تشبه قصة الحب التي جمعت الرئيس رونالد ريجان مع الإعلام، وفي المقابل، هناك حالة عداء شرسة مع ترمب، وصلت حدودها القصوى هذه الأيام، وعندما أكتب عن ذلك، يقرأه بعض المتابعين على أنه انحياز لترمب! وهذا غير دقيق، فمهمتي كمعلق سياسي هي متابعة الأحداث وتحليلها، ومن ثم الاستنتاج والتعليق عليها بأمانة ما أمكن ذلك، وموقفي الشخصي من ترمب، سواء بتأييده أو معارضته لا يهم، فهو رئيس أهم دولة في العالم، ورجل العالم القوي، الذي يتحكَّم بقرار أقوى قوة عسكرية عبر التاريخ، ويستطيع هز العالم بتغريدة أو تصريح، ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تزعم أنها ند للقوة الأمريكية الجبارة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، وبالتالي فعندما أكتب عن انحياز الإعلام الأمريكي الواضح والفاضح ضد ترمب، على سبيل المثال، فإن هذا وصف وتعليق على حالة قائمة، يقول بها معظم المعلّقين في كل أنحاء العالم، وليس انحيازاً له، ولا يمكن لأي معلِّق أن يزعم أن الإعلام الأمريكي يتعامل مع ترمب، كما تعامل مع أوباما، الذي لم يكتف الإعلام بتبجيله، بل تبرع بترقيع أخطائه، التي تسببت بكوارث كبرى، مثل الاتفاق النووي المجحف بحق أمريكا وحلفائها في المنطقة.
وطالما أن الحديث عن ترمب، فلا بد من التأكيد على أن له إنجازات وأخطاء، مثله مثل كل الساسة، كما أنه يتميّز بالعناد، ويعشق الخصومات، وهو بطبعه صريح وواضح، فترمب ليس سياسياً تقليدياً، ولا ينتمي لدوائر واشنطن، بل رجل أعمال، غامر واقتحم ساحة السياسة، وسط ذهول المراقبين، الذين اعتقدوا أنه فعل ذلك من باب الترفيه، أو لترويج شركاته التجارية، ولكنه نجح بمفاجأة مذهلة، وبالتالي فهو لا يجيد نفاق الساسة التقليديين ولا كذبهم، وليس عنده الاستعداد ليجامل ويداهن، والإعلام لم يتعود على مثل هذا النموذج من الساسة، ويكفي دليلاً على إثبات تهمة انحياز الإعلام ضده، أن منصات الإعلام المناوئة له لم تستطع إثبات أي تهمة عليه، كما فشلت في مساعدة خصومه السياسيين لعزله، والخلاصة هي أن المحلِّل أو المعلِّق يتابع الأحداث، ويربط بينها، ثم يحلِّل ويستنتج عطفاً على ذلك، وليس للعاطفة أي دور في ذلك، سواء تعلَّق الأمر بترمب، أو بأي شأن سياسي آخر!