«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
ضيفنا نشأ في»المثلثة» أم درمان والخرطوم بحري والعاصمة الخرطوم. عاصمة واحدة تضمحل! أمام منسعة تورّقه «الحلو» تنوء المدينة تتمدد وتستطيل إلى أن تبني تشكلات اسمه «الحلو» ودلائل معناه إن كان مفردًا أو جمعًا «صديق» كلما جاء معنى حمله.
صِديق، دائم الصدق، يؤيد قوله عمله، وصيغة مبالغة من صادق، إضافة إلى أنه دائم التصديق لغيره كامل في صراحته، لذا القريبون منه لا يستكثرون من «الحلو» كونه صَديقًا للجميع حتى عندما يتعرض لوابل نيران صديقة! مؤخرًا أسس «ملتقى إبداع بلا حدود» ضم عددًا من النقاد والشعراء والقاصين والروائيين السودانيين، بمجرد احتشاد أحفاد مملكة «كوش ومروى ونبته» سر خاطره السمح اقتران مبدعي بلاد السُّمر ومقرن النيلين، فهب صائحًا مناديًا في الأقطار العربية: أيها الشعراء أقبلوا، يا روائيون ادنوا، هلمُّوا إلينا إخوتنا العرب نسمع من قصص القوم..
«خالد بن الوليد» و «لمن تقرع الأجراس»
حدثنا عن أزمنة، قال يصف الحال المتعطشة للقراءة المتلقفة للإصدارات، الروائي والمشرف الثقافي على عدد من المجلات الثقافية والملفات الصحافية السودانية والعربية، الناقد الأستاذ «صديق الحلو» أول كتاب قرأته: عن خالد بن الوليد أدهشني ولازال، بطولة متناهية وصبر بلا حدود لقد كنا بتلك العظمة وذاك الخلود للمبادئ والقيم النيرة. أما أول كتاب اشتريته رواية الأمريكي أرنست همنغواي «لمن تقرع الأجراس».
فيما أول كتاب استعرته الأعمال الكاملة للشاعر بدر شاكر السياب. كان يكتب الشعر الحر واختصر علي أعوامًا من التيه كنت سأسبح فيها مع الشعر «أبو ضلفتين».
وعن تجربته مع الإصدارات والكتب قال الروائي «صديق الحلو»: أول كتاب ألّفته كتاب «الفصول» مجموعة قصص قصيرة يضم 24 قصة قصيرة، طبعته في جدة بالسعودية عام 1985م، حينها عملت في متجر صغير بجدة، مع ناس أفاضل أكن لهم كل التقدير والاحترام وكانوا يبادلونني احترامًا كبيرًا وتقديرًا وافرًا. كتبت القصص، ونشرت بعضها في الصحف السعودية: عكاظ، الشرق الأوسط، صحيفة اليوم، المدينة. وشاركت في مسابقات للقصة القصيرة في جريدة عكاظ 1985م، وكان يشرف على قسم الثقافة د. سعيد السريحي، ومصطفى إدريس، غفر الله له.
لقد كنت مندهشًا جدا للتطور الهائل التي شهدته الثقافة في السعودية في ذلك الوقت. وهنا أذكر الناقد حامد بدوي، ومحمد الطيب. الآن هناك تقدم هائل في جميع روافد الثقافة في السعودية حيث أضحت لها خصوصيتها. كبيئة حاضنة وهي الأصل. بمثابة الأب الروحي لكل العرب. الأدب هناك صار في المقدمة بفعل جدية القائمين علي أمر الثقافة ومثابرة المبدعين. ونحن هنا نتابع إنتاجهم المعرفي بحب كبير، وشغف باهر. حيث أثبتوا وجودهم في كافة المجالات.
بواكير إصداراتي كانت تلك المجموعة، جمعتها وطبيعتها في كتاب. طبعت منه (3) آلاف نسخة، ووجد ترحيبًا من القراء والنقاد معا. كنت لا أتوقف كثيرا عن التلقي أو القبول لما أكتب. ولكن بقدر الاستطاعة أحاول التعبير عن ذاتي بصوت مغاير أنفتح على القضايا المصيرية التي تشغل الناس. أبرز وعيا متجددا من خلال التجريب الذي يدخلك لعوالم جديدة ومدهشة مما ينتج كتابة أكثر نصاعة وأكثر نضوجا. تتضح فيها الرؤى الأكثر حساسية بواقعها المحلي المؤدي للعالمية بإنسانيته البائنة وبذاك تضع بصمتك في طرق يتذوقها الناس. لا أنقل الواقع المعاش بذبابته لأن الواقع ليس فنًا. إنما أشتغل على المزج والتجانس مزج الواقع بالخيال وإضافة الجمالي بالحسّي بالمعنوي لتكون السبكة ذات دلالات وموحية. أقتحم الفضاءات المغلقة وعوالم المسكوت عنه. أطوع الأفكار أشكلها والمداخل وتشعل الثقوب علي خيال جامح واسع وعميق. بعد «الفصول» أصدرت «غصة في الحلق» قصص قصيرة 2001م، امرأة من الزمن الماضي 2005، رواية دروب وعرة 2009، رواية حروبات كبيرة 2016، رواية أيام الشدو الأخيرة 2017، رهاب الحكايات ما تبقي من سيرة عبدالباقي المنسية 2019.
كتبنا على الممنوعة كيف نتعلم الطهي!
واجهت صعوبات في شراء ألف ليلة وليلة. مواقف كثيرة وطريفة عشتها مع صديقي الوراق إبراهيم عبدالله حسن نعيم. كان عهد الإنقاذ جاثما، كتب كثيرة كانت ممنوعة وكنا نصورها ونغلفها وتكتب عليها كيف نتعلم الطهي. كتب محمد خير عبدالله وعبدالعزيز بركة ساكن وفتحي الضو وآخرين.
أعجبتني جدا روايات عبده خال وجوخة الحارثي في سيدات القمر. وسعود السنعوسي في ساق المامبو. محمد حسن علوان في موت صغير. سلمان رشدي في تنهيدة المغربي الأخيرة. ظل الريح لكارلوس زافون. أم دبيكرات لعبدالرحمن إبراهيم الحلو. ومعجم المؤلفين السودانيين للبروفسير قاسم عثمان نور.
جهد تخيلي وتجربة روحية
وأكد «الحلو» أن حالة التشظي ملازمة وضرورية لكي تستمر الحكاية ويحلو السرد والتشويق والمتعة وقال: هي حالة تتلبس المبدع نوع من التقمص ومعايشة الرواية أو القصة كل الحواس تكون في حالة الاستعداد والتوثب للانقضاء علي الفريسة. الدهشة والتجريب والمغامرة هي عدة الكاتب الناجح مع الإمتاع والمؤانسة. الروح الحية المنطلقة الوثابة والمتمردة تنتج إبداعا متميزا. وزاد: إن أسوأ ما يحل بذي موهبة أن يتجاهله الناس. في روايتي دروب وعرة أحكي عن الجرح والقوس والسهم ولملمة أشلاء الكون الممزقة. الكتابة عندي تجربة روحية عميقة ومؤثرة وجهد تخيليا شديد التكثيف والإثارة. الخارج فظيع جدا عندما يصطدم ببهاء الداخل يكون هناك صراع متأجج. توظيف الصراع على نار هادئة حتى لا يكون انفعالا مؤقتا. الكاتب الكبير لا يستطرد ويعطيك كل الأشياء وإنما يؤشر للدلالات التي تضيء النص بالكشف عن المحتوي أو الأحداث بإيقاع شفيف. الكتابة تحتاج لطقس صحي لتكون ناصعة وبهية وتمنح المتلقي روحا جديدة. شعاري كن مختلفا وارسم خصوصيتك. عندها يكون الإبداع قضية حياة ووجود ومسالة جمالية بحته غاية في الإمتاع تزين الحياة وتجملها. أوصي قراء زاوية (ذاكرة الكتب) بكتاب طوق الحمامة للأندلسي. وكل روايات إبراهيم الكوني.