آتٍ إِليكَ وما الخلودُ بآتِ
إنْ لم تكُنْ يا بحرُ نبضَ حياتي
من عَالَمٍ قَلِقٍ أتيتُ مُناجيًا
إنْ كانَ في نَجْوَاكَ طَوْقُ نَجَاةِ
يا بحرُ لو ألقيتُ فيكَ بآهةٍ
هَوجاءَ من عَصْفِ الحياةِ العاتي
أصبحتَ يا أصفى البحورِ كَمُهْجَتي
مُتلاطِمَ الأمواجِ بالآهاتِ
ما صوتُ موجِكَ في خِضَمِّ هديرهِ
يا بَحْرُ إِلَّا من صَدى أنَّاتي
كَمْ أنتَ مِرآةُ المشاعرِ للورى
للهِ ما أصفاكَ من مِرآةِ
يا بحرُ إِنْ تَرَنِي أَرُوحُ وأَغْتدِي
فكأنَّما قَلْبي عَلى مِقْلَاةِ
داءُ الكتابةِ مِنهُ ما داويتَني
لو كنتَ لي يا بحرُ حِبْرَ دَواةِ
ينسابُ لي السيَّابُ من غَمَرَاتِها
ويَبَاتُ في لُجَّاتِها البيَّاتي
دُنيايَ لستُ بآسفٍ منها عَلى
ما فاتَني أو خَائِفٍ من آتِ
إِنْ مِتُّ من قدرٍ، وكلٌّ مَيّتٌ
والناسُ أمواتٌ بنو أمواتِ
إنْ أشكُ من ضَجَرٍ إِليكَ فما شكا
عزمي وفي الحقِّ الـمُبينِ ثباتي
لم تَكْتَرِثْ يا بحرُ أو تَسْمَعْ إلى
بَثِّي إِليكَ بحكمةٍ وَأَنَاةِ
قهْقهتَ يا ذا الكبرياءِ مُدَوِّيًا
لا ذاتَ في هذا الوجودِ كذاتي
الأرضُ لا أحدٌ بها مِثلي ولا
صَوتٌ بها يعلُو على أصواتي
إنِّي أَنا العذبُ الفُراتُ وما ارتوى
من مَنْبعي إلَّا فُرَاةُ فُراتي
من خُلَّصِ العربِ الذين صَفَتْ بهم
لُغَتي، فلم تَحْتجْ إلى مصفاةِ
لُسْنٌ إذا نطقوا أضاءَ كلامُهم
كإضاءةِ المصباحِ في المشكاةِ
يا بحرُ لو أَسْكَتَّ أقوى ناطقٍ
في الكونِ لن تقوى على إِسْكاتي
وأنا الَّذِي جَعَلَ القصيدةَ آيةً
تُتْلَى كما يُتَلى من الآياتِ
فِكري مَجَادِيفي وَحَرْفِي زَوْرقي
والبحرُ ما في النَّفْسِ من خَلَجَاتِ
وعصا القريحةِ لو أَهُشُّ بها على
ما فيكَ من دُرِّي ومن صَدَفَاتِي
فَلقتَكَ عن سِحْرِ البيانِ، فكيفَ لَوْ
ضَرَبتْكَ يا بحرَ اللِّسانِ عَصَاتي
** **
- د. خالد الحافي