د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
معنى «الشُّكر: عرفان الإحسان، ونشره وحمد موليه»(1)، على أن بين الشكر والحمد فرقًا؛ إذ «الفرق بين الشكر والحمد: أن الشكر هو الثناء على الإنسان بخير أو معروف اصطنعه عندك، والحمد الثناء عليه بكرم أو حسب أو شجاعة، تقول: حمدت شجاعته، ولا تقول: شكرت شجاعته»(2)، ويربط السهيلي بين معنى للشكر حسيّ وهذا الشكر المعنوي، قال «وكذلك (شكرت) إنما هو تفخيم للفعل وتعظيم له، من (شكِر بطنه): إذا امتلأت»(3). وكان ابن فارس من قبل جعل للشكر أربعة أصول منها «الِامْتِلَاءُ وَالْغُزْرُ فِي الشَّيْءِ»(4).
والشكر عندي أكثر من المدح أو الثناء أو تفخيم الفعل وتعظيمه؛ إذ هو نقل أحاسيس ومشاعر تعتمل في النفس من أثر معروف أو صنيعة، وتتجلّى هذه المشاعر بما تعبر عنه لغة القول وما يصاحبها من تهلل أسارير وابتسام وبهجة.
استعمل (شَكَرَ) للدلالة على مطلق الفعل وهو فعل الشكر، نحو قوله تعالى {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيَ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [40-النمل]، وقوله {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [73 - يس]، ويأتي متعديًا بنفسه إلى شخص المشكور، فتقول (شكرت زيدًا) بالثناء والامتنان لفعله، ويأتي متعديًا للشيء موضع الشكر (شكرت عملَ زيد) أي مدحت عمله وأثنيت عليه، وقد يعدى الفعل بحرف جر:
شكر له:
يقال (شكرتُ لزيد) والمعنى شكرت لزيد عملَه، قال تعالى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ} [14- لقمان]، والمفعول المباشر هنا محذوف، قال السهيلي «وقوله: (وفعل يتعدى بحرف جر وبغير حرف جر)(5). أصل هذا الفصل أن كل فعل يقتضي مفعولًا ويطلبه، فلا يصل إلى ما بعده إلا بحرف الجر، ثم قد يحذف المفعول لعلم السامع به ويبقى المجرور... نحو: (نصحت لزيد). و(شكرت له)، و(كلت له): المفعول في هذا كله محذوف»(6).
ولكن قد تدخل اللام للتعليل لا لتعدية الفعل، جاء في تفسير الطبري «وقوله: {وَمَن يَّشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [12-لقمان] يقول: ومن يشكر الله على نعمه عنده فإنما يشكر لنفسه، لأن الله يجزل له على شكره إياه الثواب، وينقذه به من الهلكة»(7).
وقد يجمع بين التعدي بالحرف والتعدي المباشر، تقول (شكرت لزيد عملَه).
شكر به:
قد يعدى الفعل بالباء لبيان موضع الشكر، قال الفراء «والعربُ تَقُولُ: كفرتك، وكفرت بك، وشكرتك، وشكرتُ بك، وشكرت لك. وقال الْكِسَائي: سمعتُ العرب تَقُولُ: شكرتُ بالله كقولِهم: كفرت بالله»(8).
شكر على:
ويعدى الفعل شكر إلى الشخص مباشرة وإلى الشيء بحرف، نحو «وَرجل مُكَفَّرٌ وَهُوَ المحسان الَّذِي لَا يُشْكر على إحْسانِه»(9). وجاء في شرح قول الفزاري:
فقلت له خيرًا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذمٍّ أو شكر
«يقول: شكرته على اصطناعه، وأثنيت على فعله»(10).
ويستعمل المزيد من الفعل استعمال المجرد، قال ابن سيده «وتَشَكّرَ لَهُ بلاءَه: كشكره ... أنشد أَبُوعَليّ:
وَإِنِّي لآتيكم تَشَكُّرَ مَا مضى ... من الْأَمر واستحبابَ مَا كَانَ فِي الْغَد
أَي: لِتَشَكُّرِ مَا مضى، وَأَرَادَ: مَا يكون فَوضع الْمَاضِي مَوضِع الْآت وإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ مَا مَضَى»(11).
- - - - - - - - - - -
(1) الخليل، العين، 5: 292 .
(2) المقري، تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح، ص: 479 .
(3) السهيلي، نتائج الفكر،، ص: 271 .
(4) ابن فارس، مقاييس اللغة، 3: 208 .
(5) الزجاجي، الجمل في النحو، ص31 .
(6) السهيلي، نتائج الفكر، ص271 .
(7) البخاري، تفسير البخاري، 20: 136 .
(8) الفراء، معاني القرآن، 2: 20 .
(9) الأزهري، تهذيب اللغة، 10: 115.
(10) المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، ص: 1111.
(11) ابن سيده، المحكم، 6: 680.