سهام القحطاني
«إذ أردنا أن نحقق فرقا ملموسا في حياة النساء فليس من خيار أمامنا سوى المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الإطار الإسلامي» -شيرين عبادي-
فتاة امتلكت وعيا مبكرا بقضايا المرأة في مجتمعها، قاضية آمنت بأن القانون حياة تكفل للإنسان المساواة والكرامة بصرف النظر عن نوعه، ثائرة شاركت في ثورة اكتشفت بعد قليل أنها مجرد مجموع من الخفافيش زادت الظلام ظلمة فحولت بلدها إلى «بيت الأشباح المظلم»، معارضة كانت الصوت الناطق للنساء المقهورات ضد قوانين الخميني الفاشية.
نشأت في أسرة آمنت بأن لا فرق بين الفتاة والصبي وهو ما رسّخ وعيها بكمال حقوق المرأة تماما مثل الرجل وأن الجنس ليس بفاصل قيمة أو رتبة أو تأثير وأثر.
ما نشأت عليه كان استثنائيا وليس شائعا في الأسر الإيرانية وتقول السيدة شيرين في كتابها* «كان الأطفال الذكور في أكثرية البيوت الإيرانية يتمتعون بمرتبة مبّجلة.. فحب الأهل أبناءهم الذكور أكثر من الإناث يعتبر من الأمور الطبيعية في الثقافة الإيرانية».
إن تنشئتها في ظل ذلك الاستثناء الذي يتحدى طبيعة الثقافة الإيرانية جعلها استثناء بين نظيراتها سواء على مستوى المنطق أو تحدي المألوف عندما يتعارض مع ذلك الاستثناء الذي شكّل تكوين شخصيتها الاستثناء الذي جنّبها كما تقول «قلة الثقة بالنفس والاتكالية التي لاحظتها عند نساء نشأن في بيوت أكثر التزاما بالتقاليد» كان استثناء اعتبرته إرثها «الأكبر قيمة».
لقد منحتها تلك الاستثنائية قوة العقل وقوة الشخصية وقوة التحدي.
ولدت وترعرعت في سلطة الشاه الفاسدة لذا كانت أول من آمن بالثورة فهي كما توقعت أن تخلص الضعفاء من نار الشاه، لكنها ما لبثت أن اكتشفت أن الإيرانيين استبدلوا نار الشاه بجحيم فاشية الخميني اكتشاف حولها من مؤيد للثورة الخمينية إلى معارض لها.
اضطُهدت في عملها وتم تنحيتها من القضاء وتحجيم وظيفتها إلى أدنى درجة لأنها رفضت تغطية شعرها عندما طلبت منها لجنة التطهير، وكانت هذه بداية التحدي ضد الفاشية الجديدة في إيران لتُدرك بأن هذه الفاشية خلقت زمنا وصفته بأنه زمن» تضطر فيه إلى وضع طموحاتك وحساسياتك ومنظومة قيمك الأخلاقية في الميزان وتقرر فيه كيفية تعاملك مع النظام الجديد» زمن يجعل الجميع «ينطلق بسرعة فائقة نحو الظلام».
كانت المرأة في ظل الثورة الفاشية الحلقة الأضعف ولذا تأكدت حينها من أن طريق النساء في ظل تلك الفاشية أصبح «محاطا بالغموض» ومعتما «بمناخ الخوف» وهو ما رفع نسبة الانتحار في صفوف النساء عن طريق حرق أنفسهن بعد الثورة الإسلامية وهو -كما تقول- «أسلوب النساء في إرغام مجتمعهن على مواجهة اضطهادهن الوحشي».
آمنت السيدة شيرين أن القانون هو الذي يهذب وحشية الإنسان ويصنع رقيه وحضارته لكن القوانين في ظل الفاشية الجديدة في إيران لم تكن سوى «من جنس الأشباح» جعلت إيران «بيت أشباح مظلم» بلد تسوده الظلال ويقضي فيه القتلة على ضحاياهم تحت جنح الليل ثم ينسلون خلسة دون مساءلة».
كان بإمكان السيدة شيرين أن تكون امرأة إيرانية بالمعنى التقليدي تفرم البقول لإعداد وجبات الطعام، لكن الطبيعة الاستثنائية التي ترعرعت في ظلها رفضت أن تتحول إلى كرسي متفرج لذلك اختارت المحاماة؛ حتى تُصبح صوت النساء المقهورات الناطق لتخوض معهن معارك الألم والظلم والقمع، وهذا ما دفعها إلى تأسيس مركز الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران. كان صراع السيدة شيرين مع النظام الخميني هو صراع «على القوانين» لذا اختارت أن تتولى القضايا المتعلقة بالشأن العام من أجل أن تبين» ظلم قوانين الجمهورية الإسلامية، خاصة تلك التي تتعلق بارتداد التمييز القانوني للحكم الديني ضد النساء»، وبذلك أخذت عهداً على نفسها «حماية الإيرانيين من حكومتهم».
لم يكن ذلك التحدي بالأمر السهل في ظل فاشية الخميني وحرس ثورته فقد تعرضت السيدة شيرين للتشهير والخيانة والعمالة وتدمير أسرتها، اتُهمت بالكفر والفجور وحُبست مرات عديدة في السجون والمعتقلات لا، لذنب سوى أنها ممثلة لصوت الضعفاء والمقهورين في ظل قوانين استعبدت الإيرانيين باسم الرجل المقدس.
كانت السيدة شيرين فارسة سيفها القانون، لم تكن مثل المعارضين الإيرانيين الذين فروا خارج إيران وثرثروا بحقوق الإنسان المهدورة في ظل الفاشية الخمينية وهو يشربون القهوة في أفخم المقاهي الغربية بل كانت صوت معارضة من الداخل من بؤرة الألم والظلم والاضطهاد، ولذا استحقت جائزة نوبل للسلام عام 2003 لجهودها في مجال الدفاع عن النساء والأطفال.
لم تكن معركة السيدة شيرين الحقوقية ضد الإسلام فهي كما قالت بعد حصولها على جائزة نوبل للسلام «ليس الدين ما يعيق المرأة بل الإملاءات الانتقائية التي يقوم بها رجال الدين الذين يتمنون عزل النساء عن العالم».
ستظل السيدة شيرين عبادي الصوت الشفاف الذي فضح فاشية ثورة اعتقلت عقل الإنسان قبل جغرافيته وصدّرت العنف إلى كل مكان.
* * * *
كتاب إيران تستيقظ: مذكرات الثورة والأمل -شيرين عبادي- ترجمه حسام عيتاني