محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت بالمربي والشاعر الأستاذ محمد السليمان المحمد الشبل وقرأت له بعض القصائد التي كانت تنشر في الصحف وجمع بعضها النادي الأدبي بالرياض ونشرها عام 1399هـ بعنوان (نداء السحر)، كنت في مطلع عام 1419هـ في زيارة لمدينة عنيزة، وسمعت من الراوية الموسوعي عبدالرحمن البطحي أن الأستاذ الشبل قد عاد واستقر بعنيزة مسقط رأسه فرغبت في زيارته والتسجيل معه ضمن برنامج (التاريخ الشفهي) لمكتبة الملك فهد الوطنية، فهاتفه البطحي بالحال، وعَرَّفْه بمهمتي فرحب بذلك وحدد موعد اللقاء بمنزله صباح يوم 26-2-1419هـ وتناول طعام الفطور معه، وفعلاً صحبت أحد الفنيين بمركز صالح بن صالح الثقافي لتسجيل اللقاء.
رحب بنا، ومع ارتشاف الشاي بعد الإفطار بدأت معه حديث الذكريات قال إنه ولد بعنيزة ودرس الابتدائية في أول مدرسة نظامية بها وهي المدرسة السعودية والتي تخرج فيها عام 1363هـ انتقل بعدها إلى مكة المكرمة والتحق بالمعهد السعودي، واستمر بمكة من عام 1363هـ وحتى تقاعده من العمل عام 1409هـ ولمدة تجاوزت 45 عاماً، حتى أنه عند عودته لعنيزة أخذ فترة وهو يحاول استعادة لهجة أهلها بعد أن تغلبت عليه اللهجة المكاوية.
نسيت أغلب ما سجلته معه لطول الفترة ولهذا سأعود إلى ما كتب عنه في المراجع التي تناولت سيرته وأدبه وبعض ما قيل عنه بعد وفاته -رحمه الله-.
أول من كتب عنه فيما أعتقد حسن محمد الشنقيطي في كتابه (النهضة الأدبية بنجد) الجزء الأول، ط1، 1370هـ 1951م مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. وهو ما زال طالباً بكلية الشريعة بمكة المكرمة، نشر له ثلاث قصائد أولاها قصيدة (ذكرى المولد النبوي) التي ألقاها في نادي المسامرات الأدبية عام 1367هـ [في المعهد السعودي بمكة، يقام في نهاية الأسبوع]، وقصيدة (على لهب العواطف) نشرت في مجلة المنهل في العام التالي، وقصيدتي (بين أعاصير الحياة) و(في محراب الذكريات) نشرتا في جريدة البلاد السعودية سنة 1370هـ.
وهذه القصائد لم يضمها في ديوانه (نداء السحر) لعلي أكتفي بمقطع من قصيدة (على لهب العواطف):
هل تنصرف؟
صبا بحبك يهتف
هل تعرف؟
أني بحبك مستهام مدنف.
هل تسعف؟
من بات في نار الأسى يتلهف... إلخ.
استمر ينشر قصائده في زاوية (ديوان الشعر) في البلاد السعودية بمكة مثل: (قيثارة الظلام) و(يا شعر) و(فنان!!)، و(الربيع الضائع..) والتي قدم لها بقوله: «إلى مهد الطفولة الباسم تسابيح روح لم تزل ترفرف بأجنحتها المتكسرة عليه..» نختار منها قوله:
لم يبق إلا الذكريات تنوح في تلك الربى..
لم يبق إلا طيفها الباكي على زمن الصبا..
لم يبق إلا الذكريات صدى تردده الربوع.
روحاً من الأشواق يخفق ظلها بين الضلوع.
لم يبق إلا الذكريات فهل شجتك رسومها..
ولَّت كما ولى الربيع مني تنوح همومها... إلخ.
ونجد قصائد له في باب المساجلات بينه وبين شعراء مثل : محمد سراج خراز الذي أهدى له قصيدة (ليت ..!) في العدد 2017 وتاريخ 21-4-1375هـ. والشاعر عبدالوهاب منصوري الذي أهدى له قصيدة (أصداء ...!).
ومع صدور أول جريدة بجدة (الأضواء) نجدها تنشر له قصيدة (باقة شعر) في العدد 33 في 4-5-1377هـ وتفتح جريدة (حراء) بمكة باب (أدبنا في معترك الآراء) تستطلع به آراء بعض الأدباء، فنجد الشبل يشارك برأيه في العدد 109 ليوم السبت 2 المحرم 1378هـ/ 19 يوليو 1958م.
• وقد اختلف في تاريخ ميلاده، ففي قاموس الأدب والأدباء بالمملكة، قال مترجمه إبراهيم المطوع أنه من مواليد 1346هـ الموافق 1935م، وقال عبدالله بن إدريس في شعراء نجد المعاصرون أنه من مواليد 1348هـ، وذكر في موسوعة تاريخ التعليم في المملكة أنه من مواليد 1349هـ الموافق 1930م، وفي دليل الكتاب والكاتبات ذكر أنه من مواليد 1355هـ وفي موسوعة الأدباء والكتاب. وفي معجم الكتاب والمؤلفين ورد أنه من مواليد 1348هـ ويتفق معهم إبراهيم التركي وعبدالعزيز الخريف عندما رثوه، أما الشيخ صالح بن حميد فقال في رثائه أنه من مواليد 1349هـ وبهذا ترجم له مركز صالح بن صالح عند تكريمه في المهرجان الثاني للثقافة وبه أخذت.
• قال عنه الشيخ عبدالله بن إدريس في (شعراء نجد المعاصرون) ط1، 1380هـ 1960م أنه «من الهائمين في صحراء الرومانتيكية والمغذين في ركبها المنطلق إلى المجهول..!.. أغرم منذ صغره بمطالعة الكتب الأدبية، شعراً ونثراً، والقديم منها بصفة خاصة، ثم أخذ يتجه نحو الجديد المعاصر وعلى وجه التحديد صوب الأدب المهجري ومدرسة جبران منه بالذات ...»، اختار من شعره: (نداء الربيع) و(البلبل الأخرس) و(إقبال وإدبار) و(القيثار المحطم) و ( أصداء) و ( وداع).. و (صلوات) و(الزهرة العذراء) و(موكب المجد).
• اعتبره الدكتور بكري شيخ أمين في (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) 1392هـ 1972م أنه من شعراء الرومنسية، واعتبره ممن تأثر بالثقافة الحديثة، وبالمدارس الشعرية المعاصرة.. واعتبره مع الفقي والقنديل وغادة الصحراء أجرأ المحاولات التجديدية في الأوزان التي نهص بها عدد من شباب المدرسة الرومنسية.
• ترجم له أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام) 1420هـ/ 1999م «... قرأ كثيراً من الكتب واتجه إلى الأدب، وبالأخص المهجري منه (مدرسة جبرال خليل جبران)، تغلبت الإبداعية على شعره مع ظهور الرمزية أحياناً في بعض القصائد فيكتفي بذلك عن اللفظ بالإيحاء وعن الفكرة بالإبهام والغموض ويتحاشى الواقعية ويبتعد عنها وهو من أرق شعر الرمزية».
• وترجم له في (معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة) ط2، 1413هـ 1993م.
• وترجم له في (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات)، واختار له الدكتور عبدالله الحامد في مجلد الشعر قصيدة (الجناح الأبيض) من ديوانه (نداء السحر) واعتبره من فترة التجديد، نختار من القصيدة مطلعها وختامها فنجده يقول:
أيّ لحن لم تعد تسمع نجواه الليالي
لم يزل يخفق في سمعي ويسري في خالي
ويغني بحديث الشوق والذكرى حيالي
سابحا في موكب الأحلام رفاف الظلال
* * *
وشهيد بين جنبي على الشوك غفا
ساهماً.. يحلم بالماضي وأيام الصفا
والروابي الخضر والطل وآهات الجفا
وجناحاً أبيض اللمح على القلب هفا
وأنا بين السهاد المر والذكرى الجميلة
تائه ضل عن الدرب فلم يدرك سبيله
وفؤاد ضمه الشوق فلم يطفئ غليله
مولع يجتر بالأشذاء في تلك الخميلة
• ترجم له في (موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام) ط2، مج6، «تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة السعودية بعنيزة عام 1364هـ، ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي بمكة وتخرج فيه عام 1369هـ، ثم التحق بكلية الشريعة بمكة وتخرج فيها عام 1373هـ/ 1953م. عمل معلماً بالمدرسة الرحمانية المتوسطة عام 1374هـ فمديراً لها، ثم مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية.. له دواوين شعر».
• ترجم له في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) ط1، ج2، دارة الملك عبدالعزيز قال عنه مترجم سيرته الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن المطوع: «.. بعدها انتقل إلى أعرق مدرسة ثانوية بالمملكة، وهي ثانوية العزيزية بمكة المكرمة أو ما تعرف سابقاً بمدرسة تحضير البعثات، وأصبح مديراً لها حتى تقاعد عن العمل سنة 1409هـ وأقيم له حفل تكريمي شارك فيه نخبة من خريجي العزيزية نفسها، ثم عاد إلى مسقط رأسه عنيزة واستقر بها بعد الرحلة الطويلة التي أمضى فيها قرابة الأربعة عقود من العمل المثمر، ثم كان الشاعر الشبل من ضمن الأدباء المكرمين في مهرجان عنيزة الثاني للثقافة والتراث في سنة 1430هـ، وقد أنجز الباحث بندر الروق رسالة ماجستير عن شعره في جامعة القصيم.
ظهرت موهبته الشعرية في سن متقدمة، وراسل الصحف والمجلات، التي رحبت بشعره، وتابعت نشره على صدر صفحاتها، وكانت أول محاولة شعرية له سنة 1362هـ نشرت في صحيفة الندوة بعنوان (القمر والنخلة) أي عندما كان عمره خمس عشرة سنة [لعله يقصد جريدة أم القرى فهي الوحيدة التي كانت تصدر أثناء الحرب العالمية الثانية، والندوة لم تصدر قبل عام 1377هـ].
تحدث عن مكانته الشعرية عدد من دارسي الأدب الحديث، منهم عبدالله عبدالجبار إذ يقول: «يتسم شعره بغنائية حلوة، وروح رومانسية مرفرفة»، وعمر الطيب الساسي إذ قال: «شعره قوي فيه تحليق ونفحات إيمانية، ووطنية صادقة»، ويسري عبدالغني إذ يقول: «محمد السليمان الشبل وجه من الشعر السعودي يصعب على الباحث أن ينساه أو يتجاهله، وهو من رواد الشعر الرومانسي»، وحسن الهويمل يقول: «محمد السليمان الشبل من الشعراء المكثرين الموجودين إذ لا يدع مناسبة إسلامية تمر دون أن يحملها همومه ومعاناته شاكياً، باكياً، مستنهضاً هم القاعدين..»، ويوسف حسن نوفل إذ يقول: «وهكذا نجد أنفسنا إزاء شاعر يستقي أصول مادته الفنية من معينين فنيين هما: المعاصرة والتراث في شكل لم يجنح به إلى الشطط أو الجمود..».
مؤلفاته:
1 - ديوان: نداء السحر، النادي الأدبي بالرياض سنة 1399هـ يضم 40 قصيدة جاءت في 890 بيتاً.
2 - ديوان: أزهار وأشواك، مركز صالح بن صالح الاجتماعي بعنيزة 1430هـ، يضم 31 قصيدة جاءت في 881 بيتاً.
• ترجم له في (مهرجان عنيزة الثاني للثقافة.. برنامج التكريم) 1430هـ 2009م وكرم مع الشعراء: عبدالله العرفج، وعبدالعزيز المسلم، وسليمان الشريف.
• تزوج عن كبر ورزق بابنه سليمان وابنته سارة وأقام بعد تقاعده في عنيزة حتى وفاته رحمه الله يوم الجمعة 19-2-1441هـ 18-10-2019م.
• رثاه الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي في اليوم التالي بجريدة الجزيرة بعنوان: (أبكيتنا مرتين يا أبا سليمان) مستعيداً مقطعاً من شعره:
أين؟ لا أين سوى تلك المنى
وصدى الذكرى وأطياف رؤانا
أين؟ لا أين سوى الرسم الذي
بقيت ترنو إليه مقلتانا
إيه فالتبك الليالي معنا
ولينح ذاك المعنّى لبكانا
حلماً يغرب في أفق البلى
وحواليه الأماني تتفانى
• غرب الحلم وجف رواؤه ورؤاه، وكذا تمضي بنا الحياة فتمضنا بالفقد والوجد حتى ما نكاد نفيق من ألم حتى نصحو على آلام، فلك يا رب حمد الشاكرين الصابرين.
• الدنيا ومضة فغمضة.
وذلك بعد أن استعرض ما يتحلى به من أخلاق وأدب ولمحات من سيرته وعلاقته بوالده الذي رحل قبله بشهر رحمهم الله.
• ورثاه تلميذه معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد بالجزيرة 25-2-1441هـ تحت عنوان : (أستاذي محمد السليمان الشبل أستاذ الحكمة والإدارة والأدب) ومما قاله: «.. أقدم بهذا وأنا أسجل هذه الكلمات الحزينة عن شيخي وأستاذي أستاذ الجيل المربي الجليل القائد التربوي الأستاذ محمد بن سليمان محمد الشبل -رحمه الله- الذي وافته المنية يوم الجمعة 19-2-1441هـ من رجالات التربية والتعليم الذين شاركوا في البناء التربوي والعطاء العلمي.. جمع بين العلم والمعرفة والخبرة المهنية في الإدارة التربوية.. يشهد له رصيد من المسيرة الإدارية القيادة التربوية منها ثلاثون عاماً مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية بمكة المكرمة، وهي من أوائل المحاضن التربوية والتعليمية في المملكة العربية السعودية -حرسها الله- وكانت تحمل اسم: (مدرسة تحضير البعثات) فتخرج من هذا المحضن ثلة من خيرة رموز العلم والمعرفة، فكان لهم شرف المشاركة في بناء الوطن من خلال مناصبهم التي تقلدوها، وأحسنوا تمثيل بلادهم في مسؤولياتهم في الداخل والخارج.. وأشهد أنه لا يكاد يجري الحديث عن التعليم في مكة وتاريخه وآثاره بين ذوي الشأن في التربية والتعليم إلا وتحضر صورة هذا الرجل وسيرته».
• كما رثاه بالجزيرة في 27/7 زميله في الدراسة عبدالعزيز الخريف، وعن ذكرياته عندما التقاه بمدينة الطائف أثناء انعقاد دورة مديري المدارس المتوسطة والثانوية صيف عام 1386هـ برئاسة الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ على مستوى المملكة لمدة 45 يوماً، وزيارته في منزله بمحافظة عنيزة، بعد أن أخلد للراحة متقاعداً عام 1409هـ حميدة أيامه ولياليه.
• ورثاه الدكتور فريد بن عبدالعزيز الزامل السليم في الجزيرة 5-3-1441هـ ومما قاله: «.. في تاريخه الذي يقصه علينا مشاركات رسمية.. مثّل المملكة فيها ضمن الوفد الرسمي في مؤتمر الأدباء العرب السابع في بغداد عام 1389هـ قابل فيه كبار شعراء العصر، وحاورهم، كالجواهري، ونازك الملائكة، وأظنه أيضاً قابل السياب، كما شارك في مؤتمر الأدباء العرب في الجزائر عام 1381هـ، وفي تونس 1393هـ، لما أحب مكة عد نفسه وأحداً من أبنائها، لم تكن العلاقة بينهما الوظيفة والسكني ، بل تجاوزه إلى أبعد من ذلك، فتأثرت لهجته بلهجة أهلها، فكانت خليطاً عجيباً من المحبة والانتماء.. كان أبو سليمان سخياً في علاقاته ووجاهته، وعلمه، ونصيحته، ومن توفيق الله لي أن اختار الجامع الذي أخطب فيه ليصلي فيه الجمعة بانتظام، فأهدى إلي من ملحوظاته القيمة، التي تصلني منه بأسلوب عجيب، سداه الاحترام، ولحمته التوجيه، موشى بالطرفة، مصبوغ بالابتسامة ناء عن اللمز، مترفع عن الأمر السلطوي المباشر..».