أنا مهندس خريج إحدى أقوى الجامعات الأمريكية، منذ تسعة أشهر التحقت بالعمل حديثاً في إحدى الشركات الكبرى، عملت بكفاءة عالية وبجهود مضاعفة منذ التحاقي بالعمل بالشركة وفي أيام كثيرة أواصل عملي من البيت، ولكن حدث أن وقع مني خطأ غير مقصود تسبب بإلحاق ضرر نفسي لزميل، وعلى الرغم من اعتذاري المبكر، ومبادرتي باعترافي بخطأي، وقبولي لكافة إجراءات شؤون الموظفين لإصلاح الموقف إلا أن مديري المباشر أصر على اتهامي بالتعمد، رافضاً محاولاتي المستمرة لإقناعه بالعدول عن اعتماد ذلك في سجلي، ليست تلك المرة الوحيدة التي يتصرف معي فيها المدير بصورة مجانبة للعدالة والإنصاف؛ إذ أني حين أقدم على جهود إبداعية ومميزة وحين لا يجدون شخصاً لديه الكفاءة والشجاعة للمواجهة أو لتقديم مهمات متميزة وفي وقت قياسي، بغرض عرضها على الرؤساء الكبار في حال زياراتهم التفقدية، لا يجدون غيري يتقبل تكليفاتهم السريعة، ويكتفي حينها المدير بالشكر الشفوي والخاص، وحين يقع مني خطأ نادر وغير متعمد كأنه يفرح به ويضخمه ويسارع بتثبيته في سجلي، وكأنها وصمة عار.
تصرفات مديري معي، حولتني من موظف شغوف بعمله ومتطلع الى تقديم أفضل ما لديه إلى موظف متوتر قلق مشوش.
الإجابة:
- قد لا تعجب إجابتي المدراء القدامى، وذوي النظرة الكلاسيكية، لكن لن يغير ذلك من الموقف شيئا.
حياتنا في العمل هو جزء من حياتنا التي نقضيها على الأرض. وما نسعى لتحقيقه في الحياة، يتضمن ما ننجزه في أعمالنا.
ولحسن حظك أن شغفك وافق عملك، ولذا فأنت لست من الصنف من الشباب الذي اكتشف مؤخرا أن عمله منفصل عن هوايته وشغفه، وهذا أحد أقوى أسباب إبداعك وتميزك.
مديرك يبدو أنه ينتمي للصنف الخائف من المدراء، هو يخاف من تميزك ونبوغك وإمكاناتك العالية، لأنها من داخله تشعره بأهميتك كجيل جديد قادم، وهذا قد يهدد شعوره الداخلي بأهميته.. وأنت بحماستك وإقدامك، بالنسبة إليه فرصة، وهو سيستغل هذه الفرصة قدر الإمكان. فهو غريب وليس والدك على كل حال.
الدرس المستفاد من تجربتك تلك هو كالتالي:
1 - عدل موقفك تجاه الحياة ومنها العمل. بمعنى لا تعطي العمل أكثر ما ينبغي من الاهتمام والبذل والجدية. كما لا تواجه الحياة بالعقلية نفسها. لا تواجه الحياة بروح المقاومة العالية والجدية الزائدة ولك الحق في أن تشك في صدق نصيحتي تلك إذ كل عبارات التحفيز المدبلجة تدعوك للقتال جرياً وراء طموحك، وهذا لا علاقة له بكلامي هذا.
ما قصدته هو ألا تعطي الأشياء أكثر من حجمها وتبذل لها أكثر مما تستحق.
2 - في خضم انشغالك بمهام عملك، انتبه لمهمة أخرى لا تقل عن عملك أهمية، وهي علاقاتك؛ سواء كان بمدرائك أو جميع منسوبي دائرتك دون استثناء، هذا التوازن يحفظ لك انسيابيتك ويحول دون إعاقتك، وأنت في طريقك نحو أهدافك.
تلفت حولك وتأمل: أغلب من قضى حياته وعمله مستقراً إلا من بعض المشكلات الطبيعية، هم من أصحاب هذه النظرة الهادئة المتزنة، بخلاف غيرهم. واسأل أصحاب الباع الطويل من الخبرات والتجارب الذين تقاعدوا من أعمالهم، وأوشكوا على الخروج من تجربة الحياة بأسرها، حيث الحكمة الموزونة، سيكون هذا رأيهم ولاشك.
الحياة ومنها العمل يستنزف منا طاقاتنا، ويسرق منا حياتنا ونحن نتنقل بين النجاح والإخفاق وبين مراتب الثناء واللوم والعقاب. كما أننا لا نقوى على التحكم بمجريات أحداث الحياة، فنحن نملك قدرات أقل من القدرة على ضبط كل الأمور على أتم وجه في العمل. لنعترف بذلك.
لا أقصد بحديثي هذا أني أطالبك بالحد الأدنى من البذل والجهد ولكن كن متوازناً.
أنت جاد في عملك، وهذا جيد، ولكن أن تكون مبالغا في جديتك هذا غير جيد، إذ موقف عابر وغير مقصود وقع منك في لحظة إجهاد، وضعف تركيز، قوبل بمواجهة قاسية من مديرك.
مديرك مجرد رسول لك، -وحسب فهمي- هذه رسالته إليك.
Hoda.mastour@gmail.com