نوف السمرقندي
استوقفني خبر عن سيدة مات ديكها الذي تربيه فلم تنشر الخبر حتى في محيط عائلتها فنشرته بعد انتهاء فترة الحجر باعتقادها أن خبرا كهذا كان سيؤثر على الناس بشكل سلبي في هذه الظروف التي نعيشها.. لا أعلم ما الواجب عليّ فعله معها، أصفق لها أو أحتضن قلبها الرحيم، احترت في تقديري لها وأنا أشاهد السباقات المحمومة على الأخبار السيئة في الأيام القليلة الماضية، والتي أثارت موجات من الفزع في قلوب الناس والتي تزامنت مع هذه الجائحة، وهذا الأمر له أضرار خطيرة، وكبيرة على الصحة النفسية وأجهزة الدفاع الجسدية.. فالنفس هي خط الدفاع الأول عن الجسد فإذا هوجمت بهذه الطرق الممنهجة، واللإنسانية انهارت دفاعات الجسد وأعتقد أننا لو رصدنا عدد الحالات التي انهارت دفاعاتها أثناء هذه الأزمة لن نحصيها.. ولن نستطيع فرز مجموعة الأمراض التي خرجت من هذه الأزمة والتي ستخرج بعدها. لأن الخوف هو عدو الإنسان الأول ومستقبلاته التي تنشط من حوله تشل كل أطراف الحياة داخله، وخطره فوق ما نتصور؟ فأجد المغردين على منصات التواصل المختلفة يتسابقون على الصور والأخبار السيئة حتى ظننت أن هناك تهافتا متعمدا وخاصة إذا كانت وكالات الأخبار العالمية، والعربية حملت على عاتقها ثقافة «التنكيد» على البشرية، مما يجعلنا نتساءل؟ هل هو الأمر عن سبق إصرار ونضطر للدخول في نظرية المؤامرة وتتشعب من حولها الأمور؟ هل هي حرب ضد القلوب واستيطان ممنهج لإدخال الفزع في نفوس الآمنين، أو حروب نفسية مدبرة بهذا الإمعان؟! وأيًا كان الأمر بعض المغردين وهم غالبية أخذوا على عاتقهم صناعة الفزع وأصبحوا كفزاعة في وسط الحقول لا يأمنها طير من شدة تبنيهم للقضايا السقيمة، والأخبار المفزعة فتجد منهم من لديه حالة وفاة فقبل أن يقبل جبين ميته غرد في مواقع التواصل فهذا الأمر بالنسبة لي وللكثيرين يحتاج إلى وقفة على مستويات كثيرة التعجب ينعى نفسه فيها حفظنا الله وإياكم!!، والبعض الآخر تستنفره حمى الفزع التي ينقلها بين الناس تزرع في قلبه حمرة الورد لأنه أثار كل هذا الخوف، أو الشفقة، أو البؤس وهذا إما له غرض مقصود أو لديه أسمال نفسية تزهق كاهله كالسادية، والماسوشية مثلا على أقل تقدير، وإذا نصحت أو عاتبت تجد إجابات متملقة بالدين أسألهم الدعاء؟! أي دعاء؟! المسلمون يدعون لبعضهم كل ليلة ودون أن يعرفوا بعضهم لماذا شحذ الاهتمام وإثارة الشفقة والشكوى بالصوت والصورة، واتخاذ دورلضحية والمظلوم في كل حين بتسريب كل هذا السوء على مرأى ومسمع من العالم أنت بهذه السادية تزهق لحظات الفرح في قلوبهم وتهمس في قلوبهم للحزن أن يستقر، وهم بحاجة إلى الدعم المعنوي في هذه الأوقات، هل قضاياك هي الأهم والعالم غارق في ألمه؟ لماذا لغة التواصل والتراحم بين النفوس أصبحت شحيحة ولا ترى؟ وإذا كان هذا نظام الأفراد الذين فقدوا الإحساس بغيرهم، يجب أن لا نغفل عن العنف الإعلامي المنظم فالإعلام أصبح يبحث عن الإثارة في جانبين السخافة الشديدة، والعنف بكل صوره النفسي، والبصري والسمعي والمقروء الإعلام يتحدى نفسه في إثارة زوابع الإنسان وجعله كائنا فزعاً كأنهم يتمنون له طيرانا سريعاً للحياة الآخرة.. أين ثقافة الفرح وما أخبرنا به نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام عن التبشير والتفاؤل وحسن الظن بخالقنا..؟ ونشر الأمل والنهي عن إثارة الذعر، والخوف بين الآمنين فلنتراحم في البعد، ولتتزاحم كلماتنا على جدار الرحمة. الكلمة الطيبة شجرة مباركة فيها الدواء، والشفاء، والفرح، ودعاء يحمل في جناحيه بشائر الأمل.. فصحة البدن من صحة النفس، وعمار النفس الكلمة الطيبة فليشّتد وثاق الروح بها. والسلام على نفوسنا في العالمين. بين قوسين.. (أشهر الكلمة الطيبة ودع الجراح في ساحات المعارك).