مها محمد الشريف
قال ابن خلدون: «إن السياسة ليست تطرفاً ولا تسلطاً، بل هي رفق واعتدال، وقوة ومكر وخداع عند نيقولاي ميكافيلي، وإن على رجل السياسة أن يستخدم كل الوسائل المتاحة لديه للتغلب على خصومه وبلوغ غايته ويستخدم الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فهل يتعارض هذان التصوران أم يتكاملان في العصر الحديث؟ وقد كشف لنا تاريخ البشرية عن مسارات متعرّجة ومتوازية لا يمكن أن تلتقي، فالعنف هو تعسف في القوة وتدنيس للطبيعة، ومن حيث الماهية، يشكِّل نفياً لكل ما هو إنساني، والحضارة ليس بمقدورها كبح جماح العنف أو القضاء عليه، فهو بلا شك صراع الكل ضد الكل، وطرح دائم لصعوبات كثيرة نظراً لطبيعة العنف التي يمكن أن تترتب عليه.
ويقوم هذا العنف على تطبيع المشاركة بين الضحية والجلاَّد في أنساق من التربية تقلب كل القيم رأساً على عقب انقلاباً شاملاً، وينتهي بالكشف عن بعد انتحاري لا رجعة فيه، فالعنف بكل أنواعه التسعة يبدو أن له علاقة كبديهيات أو مسلَّمات من خلال نظام التربية والتنشئة الاجتماعية وغيرها، فكل أنواع العنف مارسها النظام السوري في حقبتي الأسد بشكل ممنهج خلال الأربعين عاماً من حكمه وبشكل وحشي ومفرط خلال أعوام الثورة السورية.
وبناءً عليه فقد أحصت الأمم المتحدة عدد الأطفال السوريين الذين قتلوا أو أصيبوا خلال السنوات السبع الماضية بسبعة آلاف طفل، في الوقت الذي قالت فيه إن تقارير غير رسمية رجحت أن يكون العدد قد تجاوز الـ20 ألفاً، أضف إلى ذلك أيضاً مذكرات التعذيب وفقدان الأرواح في تلك القصص البشعة والمروِّعة بمختلف أشكالها وصيغها لنازحين من الغوطة في دمشق عن الحرب، كما أن العنف لم يعد اليوم محصوراً في دائرة العلاقات الإنسانية، فالفجوات في العالم تزداد اتساعاً.
هذا غيض من فيض، فالأمثلة كثيرة ومتداخلة ومعقدة، كل هذه الأفعال كانت وما زالت تقابل بدعم وتأييد راسخ من عدة قوى عظمى، يفترض أنها ترفع الظلم بموجب القوانين الدولية وحقوق الإنسان عن الشعوب من أنظمتها الاستبدادية، إلا أن القوى العظمى تسير باتجاه آخر بعيد كل البعد عن معاقبة الأسد بسبب استخدامه للسلاح الكيماوي في حربه ضد الجماعات المسلحة للمعارضة، بل كانت تبحث عن وتيرة التدهور لتلعب عليها ويكون لها دور في مستقبل سوريا، وكذلك الحال بالنسبة للروس والإيرانيين والأتراك لا يريدون السماح للقوى الغربية بأن تحصل على حصة من الكعكة السورية، فكانت قراءة آثمة للسياسة.
إنه لمبدأ عام أن صراعات المصالح بين الدول قد تصل إلى أعلى نقطة من العنف، فيقول نعوم تشومسكي «لو أمكننا، للحظة أن ننظر إلى الأمور بمنظور العالم، يحق لنا أن نتساءل من هم إذاً المجرمون المطلوبون للعدالة في أنحاء العالم».