سام الغُباري
على تخوم معركة فاصلة، اختلط الدم اليمني ببعضه، بين منافق ومجاهد، وجمهوري وإمامي، ومتوثب طامع، ومدن عظيمة وقبائل طائعة، معركة مثل صفين، فصلت الجسد الإسلامي إلى شطرين.
في التفاصيل تكمن الحقائق، دومًا تلك حكاية لا تُمل، سردها يحتاج قليلاً من الشجاعة وطريقة مثلى لرواية تبدو عظيمة، حكايا الناس الذين في المعارك هي الملاحم الغائبة، المنسية، فماذا لو لم تروا ملحمة كـ»جلجامش»، هل كنا قد سمعنا بأساطير السومريين وأحداث بلاد الرافدين، ووصلنا إلى أول قصيدة نثرية في تاريخ الإنسان؟
إنما..
هناك روايات لم تكتب، أحداث وتفاصيل موتى قتلوا في آخر بقعة من جنوب الأرض، مزقتهم أحقاد العلويين الفرس، وعلت فوق جثثهم ملاحم كتبها القتلة بافتخار، عند تلك اللحظة انحدر الإنسان في اليمن إلى الركن الناء وهناك مورست أبشع المذابح التاريخية في الظلام، دون أن يدون اليمنيون شيئًا من أصواتهم على صفحات الكتب، كان صراخهم بعيدًا عن الدواة والحبر، يضيع بين سناسل القمح، ويدفن تحت حوافر خيل الغزاة الطبريين.
يكشف كتاب جديد حققه الباحث الفارسي «عبدالسلام الوجيه» عن مكاتبات الإمام «السفاح» عبدالله بن حمزة في رسائله لأهل مأرب، وقبائلها، الكتاب شكل صدمة أخرى لكل اليمنيين الذين لم يعنهم شأن ما كُتِب قديمًا بكل أحداثه، بالرغم من أن هذا الإهمال ثلمة في تاريخ الوطن، وإغماضة سافرة في حق الضحايا على الناس والتاريخ، بما في ذلك قدرة القاتل «ابن حمزة» على الفخر بمجازره، وتمجيده في إطار مجتمع وهوية معزولة عن اليمن تنتسب زورًا إلى الهاشمية العربية.
لقد شكل هذا الكتاب إدانة إضافية لفكرة السلطة لدى العلويين في اليمن، أولئك الذين ما يزالون حتى اللحظة في حالة إنكار جشع لهوية اليمن كجنسية أولى وانتماء كامل.
في الكتاب مجازر تتلى كأنها كتاب مقدس، تكرار نراه اليوم بأعيننا ونسمعه بآذاننا، من أحفاد ابن حمزة «الحوثيين» في مجازرهم ورؤاهم ومكاتباتهم بذات الوسيلة والفصيلة عن جدهم السفاح عبدالله بن حمزة لقبائل مأرب ورجالها. ومن أبرز مضامين مراسلاته الدموية:
- طالب قبائل مأرب بأن تحمد الله أنها وصلت زمنا يحكمهم فيه العترة.
- هدد بشن حرب عليهم إذا لم يلتزموا بـ(حي على خير العمل) في الأذان.
- انتقص من نسبهم الحميري اليماني وأعلى من انتسابه الفارسي.
- تحدث عن أفضليته في الخلق وأن الله خلقه من طينة خاصة في عليين.
- طعن في عقيدة قبائل مأرب واتهمهم بمخالفة عقيدة العترة!!
- خاطب المأربيين باستعلاء مقيت قائلاً: وارضوا بنا أئمة، نرضاكم لنا تبعًا.
- زاد في بيتين شعريين بأن الصلاة تجب على أبيه ولا تجب على آبائهم.
- شبه نفسه بالنبي سليمان قائلاً: إلا تعلوا علي وأتوني مُسلمين.
- قال إن مذهبه يبيح له سفك دمهم واستباحة أموالهم وهدم ديارهم إن خالفوه.
تسع بينات تتكرر اليوم، كما تكررت مع أسلاف من ينتسبون إلى خرافة «آل البيت» فلا تكاد تمر سنوات قليلة حتى يأتوننا بفتنة جديدة، وعائلة أخرى لإشباع ظمأهم في السلطة والمال والدم الحرام.
هذه المدونات يجب أن تكتب، وهذه الجرائم التاريخية يجب أن تُدان، اليوم وغدًا وكل يوم.. ويجب أن تقرأ الإنسانية كلها عن اليمن الذبيح، إذ خاض بنفسه وشعبه معركة كبرى من أجل بقايا ابتسامة سنراها ذات يوم مطلة من وراء الأفق، ابتسامة تتسع وتكبر حتى يغدو اليمن سعيدًا كما كان.
..وإلى لقاء يتجدد..