عبدالعزيز السماري
فكرة العلاج المبكر في وباء كورونا فتحت نوافذ جديدة لرؤية الأفق الجديد في التعامل مع الحياة بكل ما تحفل من مفاجآت؛ فالتناول المبكر لأي أزمة يجعل منها صيدًا سهلاً، والتدخل المتأخر لأي مشكلة قائمة لا يؤدي إلى حلها بالطريقة الصحيحة..
التدخل المبكر مؤثر جدًّا في العناية الطبية؛ فالكشف المبكر للأمراض وعلاجها قبل أن تتفاقم هو الاستراتيجية المثلي، ومستقبل الرعاية الصحية المطلوب حاضرًا. كذلك في الطفولة، قد يحول التدخل المبكر لأمراض أو متلازمات، مثل التوحد، دون تفاقمها إذا أمكن تشخيص الحالة مبكرًا..
لذلك أعتقد أن عيادات (تطمن) هي أهم قفزة في مستقبل العناية الصحية في بلادنا، ولم أسمع عن تطبيقات مماثلة في بلاد أخرى. ولو تم تطويرها للاهتمام مستقبلاً عبر تدريب أطباء العناية الأولية، وزيادة وعيهم الصحي بالأمراض الشائعة، وبدء العلاج مبكرًا، ستكون بمنزلة الحل الأكثر فاعلية لمختلف مشاكل الرعاية الصحية.
سيكون الرابح الأول ميزانية وزارة الصحة؛ إذ ستقل التكاليف التي تتكبدها بسبب تكدس ضحايا الأمراض المزمنة في طوارئ المستشفيات، وستقل آثار المرض المزمن، وسيكون صاحبه مؤهلاً صحيًّا للمضي في حياته. ومن أجل أن يكتمل الحلم يجب أن ترافقه تطورات في أساليب جمع المعلومات عن الأمراض المزمنة، والأوبئة الطارئة. وسيتحقق ذلك بتنفيذ استراتيجية الملف الصحي الموحد التي ضاعت بسبب تنافر أساليب الإدارات الحالية واستراتيجيات القطاعات..
لأسباب لا أفهمها، لماذا تعطل مشروع الملف الموحد، وهو المفتاح الحقيقي للخروج من متاهات الوضع الصحي. ولماذا تظل الحلول الفردية سيدة الموقف؛ إذ تغيب الاستراتيجيات الجماعية بين القطاعات للخروج بحل موحد في مشروع الملف الصحي الموحد؟ وقد يخفى على المسؤول أن الملف الصحي الموحد هو أحد السبل المثالية لمعرفة الحالة الصحية في البلاد من خلال البيانات.
دومًا ما تكون الحلول في منتهى الوضوح إذا توافرت المعلومات. وكان غيابها في هذه الأزمة سببًا للمتغيرات التي مررنا بها بسبب تناقض التوصيات من الخارج. ولو توافرت حينها لما استعجل البعض في اتخاذ قرارات مفاجئة بسبب معلومات خاطئة، بينما الإجابة موجودة تحت يديه في ملفات بروتوكولات العلاج..
التدخل المبكر فلسفة النجاح الحقيقي في أي مجال، وإذا تم تطبيقها سننجح في منع تراكم الأزمات، وسنعبر مختلف العقبات. ومن أهم ميزاتها أن النظام يستطيع معالجة عثرات التطبيق مبكرًا، وإذا تركها تتضخم فسيكون التدخل غير مفيد، تمامًا مثل الإصابة بفيروس كورونا؛ فالتدخل المبكر يسهم بنسبة عالية في شفاء المريض.
أيضًا من إيجابيات التدخل المبكر في أي أزمة ناشئة أن يقلل من مشاعر القلق الفردي أو الجماعي، إضافة إلى منعه تضخم المشكلة. ويتحقق ذلك بوجود مؤسسات علمية للإحصاء العلمي بدون تأثير إداري؛ وهو ما يعني خروج قرارات مبنية على معلومات دقيقة، وليس انطباعات فردية. وفق الله الوطن الغالي إلى ما يصبو إليه من تقدم وتطور.