محمد ناصر الأسمري
الموت والحياة خلقهما الله، وكتبهما على خلقه، فسبحان الحي الذي لا يموت. الله جل وعلا جعل دفن الموتى في الأرض التي خلق الإنسان منها {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}.
الملوك والرؤساء ما كان لهم من سطوة وسلطة وتسلط وكل هذا النعيم يزول، لكن للموت رهبة تستدعي الرحمة.
في التاريخ العربي الحديث مرت أمثلة موجعة حين مات ملوك ورؤساء بعد إزاحتهم عن السلطة، وكانت مواقف من خلفوهم بعيدة عن الإنسانية بكل مثلها.
أضرب أمثلة:
الملك الليبي إدريس الأول - رحمه الله - ملك ليبيا بعد استقلالها. شهدت ليبيا بكل مقاطعاتها توحدًا جميلاً، وبدأت أعمال التطوير تأخذ مسارات، لكن مجموعة من صغار الرتب في الجيش الليبي قاموا بثورة على حكمه وهو خارج البلاد. ومن شيم الوفاء والأمانة أعاد الملك بعض النقود التي لم يستخدمها في سفره إلى بلاده.
واستضافته مصر، ومات في المدينة المنورة - رحمه الله -، ولا أعلم إن كان قد طلب أن يدفن في ليبيا.
والمثال الثاني كان لملك اليمن الإمام محمد البدر الذي خلف والده الإمام أحمد، وسار على نهج مخالف لما كان عليه نظام حكم والده من البطش.
ووفقًا لما ورد من معلومات في موسوعة ويكيبيديا، ألقى محمد البدر خطاب العرش، وأعلن أنه سوف يحافظ على سيادة القانون، وسيساعد المضطهدين، ويضع أساس العدالة، وسيصدر القوانين التي تكفل أن يكون المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات. وفي اليوم التالي من سبتمبر وقّع على ستة مراسيم، نص المرسومان الأول والثاني على احتفاظ الوزراء ونواب وكبار قادة الجيش بمناصبهم، وأعلن المرسوم الثالث العفو العام عن كل الأحداث السياسية السابقة التي أودت بمرتكبيها إلى السجن أو الفرار خارج البلاد، وألغى المرسوم الرابع نظام الرهائن، وألغى المرسوم الخامس جميع بقايا الالتزامات التي لم تورد إلى خزانة الدولة حتى 1960 بـ»استثناء القروض»، ونص المرسوم السادس على مرتبات الضباط وجنود الجيش.
أُطيح به بعد أسبوع من توليه الحكم في سبتمبر 1962م. حاول استعادة الحكم من خلال أعمال مناصرين له مدة سبع سنوات، واستقر في مدينة الطائف.
كنت ورفاق وزملاء نذهب للمدرسة في حي اليمانية، ونمرّ من أمام سكن وضعته الحكومة السعودية له ولأسرته. وبعد انتهاء الوضع اليمني باتفاق بين الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر - رحمهما الله - غادر الإمام البدر إلى بريطانيا ومات فيها. وكانت أمنيته أن يُدفن في بلده، لكن نظام الحكم في اليمن رفض أن يُدفن في اليمن.
والمثال الثالث عيدي أمين دادا الرئيس الأوغندي السابق. إنه جنرال فيه من طبائع الاستبداد الشيء الكثير، لكن كان مستسلمًا مسالمًا بعد الإطاحة به، وعاش سنوات عدة ضيفًا على الحكومة السعودية حتى توفاه الله في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.
والمثال الأخير هو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي غادر بلاده بعد الثورة ضده، واستقر في مدينة جدة ضيفًا على الحكومة السعودية التي رفضت مطالب الحكم الجديد في تونس. ومات ابن علي، ودفن في المدينة المنورة.
هذا ما كان من مواقف بلادي المملكة العربية السعودية التي تسجّل في سجلات حقوق الإنسان بعيدًا عن أي مزايدات أو مواقف مسبقة أو تكسب، بل كان الأمر شيمة وقيمة وأفعالاً مضيئة لحقوق الإنسان حيًّا وميتًا. والسعودية بيت العرب وقبلة الإسلام والسلام.
مصر العربية كبيرة العرب لها مواقف طيبة إنسانية الطابع والطبيعة؛ فقد استضاف الرئيس الراحل محمد أنور السادات شاه إيران بعد الإطاحة به وبنظام حكمه الإمبراطوري. ومات الشاه ودفن في مصر.