عبدالعزيز السماري
قد نكون تعلمنا الدرس من خلال مواجهة وباء كورونا، فالتحيز للمنتج الغربي في العلم كان جلياً، لدرجة أننا شبه متوقفين عن إنتاج بيانات قد تثبت عكس ما تطرحه المركزية الغربية في العلم، وهو علامة للخضوع التام للعقل الغربي، وقد يكون سببه الفشل العلمي، فعلى الرغم من كثرة الجامعات والمراكز الأكاديمية في العالم الغربي إلا أنها عاجزة عن إجابة الأسئلة المثارة حول الوباء..
هناك انحياز تاريخي لصالح الغرب في الفضل في النتائج العلمية الكبرى، والتاريخ، كما نعلم، يميل إلى أن يكتبه الفائزون (على الأقل في ساحات المعارك العسكرية والاقتصادية). ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه سيكون مختلفًا في قطاع البحث العلمي، فرواية تاريخ العلوم صاغها الغربيون إلى حد كبير، وأخرجوا منها مساهمات الحضارات الأخرى.
بينما تعلم من تاريخ العلم أن الإرث العلمي إنساني، فمختلف الأمم ساهمت بدور في إثراء التجربة الإنسانية في العلم، وذلك لا ينطبق على العلم فقط، فالمعايير الأخلاقية في حقوق الإنسان تختلف بين الغرب والشرق، ويتسبب الانحياز الغربي لمفاهيمها الخاصة في الضغط على الدول خارج المنظومة الغربية، وهو ما كان ولا يزال يشعل الحروب، ويجعل منها سوقاً رائحة للأسلحة الغربية.
بينما يكشف الإعلام كل يوم مخالفات كبرى في أخلاقيات التعامل الإنسانية، فالعنصرية تبدو قاتمة في بعض الدول الغربية، ولا يزال لون الإنسان سبباً لإقصائه أو قتله أحياناً، كما حدث مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها لا تدخل ضمن معايير مخالفات حقوق الإنسان ونشراته الدورية، وهو ما يفسر الهيمنة المركزية الغربية على تعريف هذه المبادئ..
كان للفرنسي أوجست دور في تقديم فلسفة جديدة للعلم ودوره في المجتمع، وإذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم إطلاقاً جوهر الحداثة الغربية، ولن نعرف كيف نتعامل معها أو نحاورها.
فالفلسفة الوضعية التي كانت الذراع اليمنى للنهضة الصناعية، وكانت تعتقد بأن على العلم أن يحل محل الدين كذروة عليا لتشريع المعرفة وكل نشاط بشري على وجه الأرض، وهذه الثقة بالعلم والتكنولوجيا كانت مطلقة في ذلك الوقت.
بعد تحول العلم ليكون في مركز المرجعية حدثت كوارث، فالعلم ليس كله خيراً وإنما له جوانب سلبية ولعل إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي، واستخدامات الأسلحة الجرثومية الفتَّاكة دليل على خطورة تحرّر العلم من الضوابط الأخلاقية، فالعلم سلاح فعَّال ذو حدين قد يستخدم في الخير وقد يستخدم في الشر تماماً كالدين.
ما كشفته مرحلة الوباء أن العلم كان في خدمة رأس المال، فقد ضحوا بعشرات الآلاف من أجل احتكار دواء جديد غالي الثمن أو لقاح يُباع بالمليارات، والمفارقة أن هناك فارقاً كبيراً في أعداد الوفيات بين الغرب والشرق، ولأول مرة يخرج العقل الشرقي من سيطرة القرار الغربي، ويستقل في قراره على الرغم من التحذيرات الغربية.
فهل تكون بداية الخروج بعقلانية من المركزية الغربية في البحث العلمي، ولا يعني ذلك عدم الاستفادة منها، لكن أن نكون قادرين على فرز تلك المنتجات قبل تطبيقاتها، كذلك أن ترتقي جامعاتنا إلى أن تكون منارة في البحث العلمي الذي يخدم أولاً أزماتنا، وثانياً ليكون خطوة أولى في الطريق للمستقبل الواعد من خلال توطين المنتج العلمي، والله ولي التوفيق.