فشل كل المفاوضات والمساعي الدولية وكذلك المبادرات في حل الأزمة الليبية يقود ليبيا العربية وشعبها المتألم الذي يعاني من صراعات دامية وفوضى وغياب الأمن والأمان منذ الإطاحة بالرئيس معمر القذافي إلى مفترق طرق وضياع ليبيا وإنهاكها في حرب أهلية وبحور دماء ينذر بكارثة إنسانية، وبعواقب وخيمة على مستقبل المنطقة كاملة، فقد أصبحت ليبيا الآن أكثر مما سبق وفقًا لمجريات الأحداث الدامية التي تشهدها، كما لو أنها هي سوريا الجديدة، إذ إن العالم كله بما فيها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية المختلفة ينظرون لها الآن على أنها منطقة الصراع الجديدة في الشرق الأوسط، والأكثر عنفًا وأثرًا، ذلك بالتزامن مع دخول تركيا الحراك السياسي والعسكري، وانتقال عناصر مسلحة ومليشيات ومرتزقة إليها لدعم حكومة السراج في الغرب الليبي، إضافة إلى تنافس قوى دولية وإقليمية للمشاركة في اللعبة السياسية والتأثير في القرار الليبي، والحصول على المزيد بل والمزيد من العوائد النفطية والاقتصادية والمعنوية من جراء المشاركة والتأثير في دائرة الحوار ومستقبل الأحداث والمستجدات والأوضاع السائدة في ليبيا، إذ إن ليبيا الآن فريسة الكل يتصارع على التهام أكبر قدر منها، الكل يتسابق على الغنانم وتقسيم المال المستباح.
ها هو البرلمان التركي قد سمح للرئيس رجب طيب أردوغان بنشر جنود أتراك في ليبيا، وبدخول الجنود الأتراك والآليات العسكرية والطائرات الحربية التركية كان هذا نقطة تحول جديدة في الصراع الليبي ونقطة الارتكاز وقوة كبيرة ودعم عسكري وإستراتيجي فعال لحكومة فائز السراج في الغرب الليبي من أجل استعادة المناطق التي يسيطر عليها المشير خليفة حفتر.
إذ إنه بدخول تركيا الأراضي الليبية ودعم قطر للعناصر المسلحة والمليشيات والتنظيمات الإرهابية بالمال والعتاد ضد حفتر أغرق الشعب الليبي في دوامة العنف والتطرف والدمار ويمكن القول إنه بالوجود التركي والقطري داخل ليبيا عجل بمستقبل ليبيا المظلم، وأصبح المشهد أكثر ضبابية، وتعقيدًا، وأربك حسابات الجميع، ووضع سيناريوهات عديدة محتملة للأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة.
أما بالنظر إلى المشهد العام ودور المشير حفتر، حيث ترى فيه دول الجوار فرصة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا بعد طول سنوات الفوضى التي امتدت منذ أواخر 2011. وساندته فرنسا وروسيا كذلك، ولكن بدرجة أقل. وأعلنت مصر تخوفاتها من أن تتحول الأزمة إلى حرب أهلية شاملة، وهو ما يُمكن أن يُسهم في تعرض أمنها القومي للخطر خاصة إذا استعاد تنظيم الدولة الإسلامية لنشاطاته على الأراضي الليبية، وهو ما جعل الرئيس المصري يعلن عدم القبول بالتطورات الأخيرة التي تضر بالأمن القومي لمصر وأنه سيدعم القبائل وأن سرت والجفرة خط أحمر.
إن نجاح حسم المعركة في طرابلس سينعكس بشكلٍ كلي على مستقبل الصراع في ليبيا، إذ إن العالم سيتجه مع تطور الصراع في الغرب لترجيح كفة أحد الطرفين تعجيلاً بحسم الصراع.
يعد المراقبون والمتابعون للشأن العام الليبي أن تقدم قوات المشير «حفتر» نحو الغرب يرتبط بدرجة كبيرة ليس فقط بمحاولات حسم معركة العاصمة، ولكن أيضًا للتضييق على حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج من خلال السيطرة على مزيد من صادرات البلاد من النفط خاصة أن حكومة «السرَّاج» تعتمد في توفير مصادر تمويلها على صادرات النفط. على صعيدٍ آخر، يحتاج الجيش الوطني الليبي ومجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه مصادر تمويل إضافية لتأمين تسليح الجيش الذي يحارب الإرهاب والتطرف فضلاً عن حاجات الناس الأساسية.