د.عائشة الفيحان
يعد المسرح واحدا من أهم وسائل نقل الأفكار، والتأثير في المتلقي، وتغيير وضعياته الفكرية والثقافية والنفسية معا، وهو لذلك يحظى باهتمام كبير لدى الأمم كلها منذ زمن بعيد، وما يزال حتى يومنا هذا، غير أنه في مجتمعات عربية كثيرة يكاد يكون مهملا وغير معول عليه ولاسيما في المدارس والجامعات، وحتى في الواقع الثقافي في عمومه، ففي المسرح -كما يقول فولتير- وحده تجتمع الأمة، ويتكون فكر الشباب وذوقه، وهي مقولة تؤكد ما للمسرح من أهمية في مسارات متعددة.
ولأن ذلك كذلك فإننا نندهش من وضع المسرح في ربوعنا، فهو مغيب إلى حد كبير، ولا يعول عليه في تنمية النشء وزرع القيم والولاء وحب الوطن فيهم، إن المسرح، ما يزال، مثل الكتابة والتصميم والموسيقى والعرض... يلقى عندنا الإهمال والإبعاد.
والناظر إلى وضع المسرح في الجامعة سيجدها هي أيضا لا تهتم بالمسرح مثل المدرسة تمام، وهو وضع يكاد ينطبق ليس على مجتمعنا فقط بل على معظم المجتمعات العربية، رغم إجماع مختصين كثر على أهمية الدور الذي يؤديه المسرح في حياة الطلبة وفعاليته في تطوير مداركهم الحسية وذائقاتهم الأدبية والجمالية، فضلا عن أنه يمكن جعل المسرح وسيلة من وسائل التعليم التي ترسخ المعلومات التي يستعصي إيصالها بالطرق التقليدية المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن إنّ تطور المناهج التدريسية والأساليب الحديثة في التعليم بأصنافه، تمنح النشاط المسرحي مكانة ملحوظة في تهيئة المهارات والأساليب اللازمة للطالب في عصرنا حتى ينجح الطالب في مساره الأكاديمي ويثبت انخراطه عبر ذلك المسار نفسه في التنميـة الشاملة ومشاركته فيها.
وإذا تجاوزنا ذلك فإننا نجد أن انخراط الطالب في كتابة النص المسرحي أو تمثيله أو إخراجه، تمكنه من التعرف على حياة الآخرين، ومعرفتهم، وهو ما يجعله يشعر بآلامهم وأفراحهم ويعمد إلى معاضدتهم. والمسرح من هذه الزاوية يُسهم في تنشئة الطالب على القيم والفضائل وتهذيب سلوكه.
ولا يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل إن النشاط المسرحي قد يكون علاجا يخفف عن الطالب ضغوطه التي يمر بها، ويساعده على تفريغ شحناته وانفعالاته ومشاعره ومكبوتاته، ويجعله يندمج مع مجتمعه، ويخفف عنه حدة الخوف والعزلة، ويبثّ فيه الحرص على العمل مع الآخر والتعاون معه. وإن كان يشكو قصورا في النّطق أو عجزا عن التّعبير أو خللا في الإلقاء، شحذ النشاط المسرحي فيه الهمّة فنمّى فيه قدرات لغوية وفنية تكسب المهارة وتصقل الموهبة فتُروّض صاحبهما على الظهور والإقدام والمبادرة. وهو ما يفسّر أنّ النشاط المسرحي في كثير من بلدان المغرب العربي مثلا يسهم في تخريج عدد من المبدعين ذوي الكفاءات في مختلف الميادين وليس في مجال المسرح المحترف فحسب. فالنشاط المسرحي كتابة وتمثيلا وإخراجا يطور لدى صاحبه القدرة على التخيّل وعلى الإبداع.
ويمكن التأكيد في الختام على أن ذلك كله يثبت أن المسرح ليس مجرد فرجة تُساق للتسلية والترفيه فحسب، بل هو فاعلية معرفية وحاجة نفسية وجمالية ذات دور فاعل في تشكيل شخصية الفرد وفي تطوير المجتمعات. وهو ما يحفز بشكل جدّي على أن يأخذ مُعدّو برامج التعليم العالي ولوائحه بعين الاعتبار ما للنشاط المسرحي في أوساط الطلاب من أهمية. وأن يعمد ذوو القرار على جعل نوادي المسرح وورش التدريب على الأداء المسرحي ضمن المؤسسات الجامعية ويحثّون الطلبة عبر الفعاليات والمسابقات على الانخراط فيها.