رصد متخصص في السيرة النبوية بعض من الشواهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعصر خلفائه الراشدين، حيث امتدت رقعة الإسلام في أيامهم، واحتكوا بأمم متعددة وحضارات مختلفة، وبرزت احتياجات كبيرة وجديدة، مما دفع الخلفاء أو من ينوب عنهم من الولاة وغيرهم لتنفيذ أوقاف جديدة في بابها، أصيلة في مقاصدها وتحقيقها للأهداف الشرعية، لخدمة مصالح عامة الناس.
ويقول أ. د. عبد العزيز بن إبراهيم العُمـري, أستاذ السيرة النبوية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقاً، وعضو الجمعيات التاريخية السعودية، والخليجية، والعربية: إن الراصد لسنته وسيرته صلى الله عليه وسلم يجدها مليئة بتلك الشواهد التي سارت الأمة بهدف خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم الإنسانية. واستدعى الأمر أحيانا مجرد قرارات وتنظيمات، وأحياناً نفقات مالية من المال العام من بيت مال المسلمين، ومن أموال القادرين المحسنين من المسلمين.
جاء ذلك في كتاب: «الأوقاف العامة وما في حكمها في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين» (دراسة تاريخية)، ضمن سلسلة دراسات ساعي العلمية التي تصدر عن مركز البحوث والدراسات الوقفية لمؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف. ويأتي هذا المؤلف لرصد تلك الشواهد دون التطرق للأحكام الشرعية والبت فيها، وإنما يعرض الشواهد من السنة النبوية، بمقاييس السنة والسيرة، كما يعرض الشواهد التاريخية من عصر الراشدين، والتي لها مقاييسها الخاصة بعصرهم، ليستفيد منها الباحثون في الأوقاف وتطبيقاتها وشواهدها في العصر النبوي والخلافة الراشدة.
ويحتوي الكتاب على تمهيد وفصل عن الأوقاف العامة في العهد النبوي منها المساجد ومشاعر الحج ومصادر المياه والمراعي والحْمى والطُرق والأسواق والحصون والأسوار وبعض المنافع الأخرى كالمقابر وضوابط تلك المنافع والمرافق العامة.
والفصل الثاني يشمل ما قرر وتبين في العصر النبوي إضافة إلى تفصيلات أدق عن كل خليفة من الخلفاء الراشدين على حده الوقفية العامة وخلص الباحث إلى أنه من الملاحظ أن الدولة الإسلامية في عصر الراشدين ساهمت في نمو المجتمع والتأسيس والمحافظة لما يعتبر شرعًا وعرفًا أوقافًا ومرافق عامة وإن لم يسجل فيها وثائق أو وصايا تخصها كالمساجد والأسواق والمراعي وموارد المياه.
وقد سعى الخلفاء الراشدون لحفظ كثير من الأموال والأراضي الخراجية التابعة لبيت المال وعدم تقسيمها لضمان حاجة الأجيال القادمة من أبناء المسلمين.
أن حبس الأراضي المفتوحة عنوة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووضع الخراج عليها لصالح بيت مال المسلمين، أوجد أكبر وقف عام، يدعم بيت المال وديوان الخراج ومنه ديوان العطاء، وهي مؤسسات عامة، للصرف على الجهاد وحفظ الثغور والعطاء للناس وموارد المياه وغير ذلك من المصارف لمصالح عامة المسلمين.
وقد اهتم الراشدون بتأمين المياه، وإصلاح ما يرتبط به من قنوات أو جسور أو آبار، سواء بين المسلمين أم بين أهل الذمة ممن هم تحت حكم المسلمين، والذين في عمار بلادهم عمار للمسلمين، ولبيت مالهم، ولما هو تحت حكمهم. واعتبروها أحباسًا عامة، يلزم تنميتها والمحافظة عليها.
ولذلك فقد أنفق الخلفاء الراشدون بسخاء على موارد المياه وتأمينها، كما حرص عثمان رضي الله عنه خصوصاً على تأمين المياه في الطرق البرية الصحراوية في بلاد العرب، حتى أن أميره على البصرة أسس وعَمَّر طريق الحجاج من العراق إلى الحجاز بموارد المياه التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم في نواحي منطقة القصيم وحفر الباطن.
ما عمل مناطق الفتوح وما فيها من أوقاف استجدت كالأنهار والخيول وغيرها. وقد استفاد الباحث من أكثر من مائتي مصدر حول الموضوع، منها الشرعي والتاريخي الحضاري مع كتب السنة والآثار.
جدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور عبدالعزيز العُمري له أكثر من خمسين مؤلفاً، وعشرات الدراسات والبحوث المتنوعة.