الكل يدرك ويعلم أن هناك مئات الآلاف ممن عرفوا بالجيش الأبيض، وهم الأطباء والممرضون، وجميع العاملين في القطاعات الصحية في أنحاء العالم، يخوضون حربًا لا هوادة فيها منذ بداية ظهور كورونا، وحتى خبراتهم المتراكمة وأجهزتهم الحديثة تواجه اليوم عدوًا مختلفًا في كل الأحوال وعلى كافة الأصعدة تجدهم في الصفوف الأمامية في أي خطر يحدق بالوطن في زمن الحروب تراهم ينشئون المستشفيات الميدانية أقرب ما تكون لخطوط التماس وفي حالات الكوارث يأبون إلا أن يكونوا موجودين وبقوة وفعالية لكنهم اليوم في معركة شرسة ضد عدو غير مرئي لا يرى بالعين المجردة، متجاهلين سلامتهم الشخصية ليضحوا بأرواحهم متقدمين خطوة على أخوتهم من رجال الأمن وعلى زملائهم في مختلف القطاعات بخطوات في مواجهة العدو كالجنود على الجبهة، فهم بحق «الجيش الأبيض» والمدافع الأول بعد الله سبحانه وتعالى في مواجهة للفيروس هذا.
لقد تركت الأقنعة الطبية آثارها على وجوههم تظهر مدى المعاناة والسهر وعدم وجود وقت للراحة، فهم يبذلون جهدًا مضاعفًا، يحرمهم في أحيان كثيرة من ساعات نوم كافية من أجل العناية بمن أصابهم الفيروس معرضين حياتهم للخطر، في وقت لا يحظون فيه هم أنفسهم في عديد من الدول بوسائل الحماية الكافية لأداء مهمتهم.
ولكن من الملاحظ مؤخرًا أن وسائل التواصل الاجتماعي اكتظت بمقاطع صوتية أو مرئية أو رسائل نصية بعضها يحمل أسماء لأطباء (إن صدق المصدر) والآخر من دون أسماء من داخل المملكة ومن خارجها والتساؤل الذي بفرض نفسه ما الفائدة المرجوة من نشرها مع مخالفتها للأعراف المهنية وأخلاقيات العمل والحفاظ على أسراره وكل هذه المقاطع أو أغلبها ترتكز على أمر متوقع حدوثه ألا هو ارتفاع عدد حالات الإصابة بالوباء متزامنًا مع تخفيف القيود الاحترازية وتقليص ساعات الحظر والسماح بعودة الكثير من الأنشطة التجارية وكل ذلك وفق قواعد وبروتوكولات محددة مع العلم بأن هنالك أكثر من تفسير لهذا الارتفاع ومنها:
تغيير نوعية أو بروتوكول العلاج قد يكون له دور، نعم للإنسان دور محوري في هذا الارتفاع، فقد كشف لنا هذا الفيروس البعض من أفراد المجتمع وإن كانوا قلة لكن ضررهم أكبر منهم بكثير غارقين في الظلام و الجهل والتخلف وأنهم داء المجتمع وأخطر من الوباء
فهم لا يمتثلون لقرار منع التجول ولا يطبقون نصائح مسؤولي الصحة وأهمها التباعد الجسدي.
قد يقول قائل إن ما يقومون به من باب حرصهم وخوفهم على المجتمع ولتحذيره وتنبيه لما يكتنف سلوكياتهم من أخطار.
مع احترامي لهذا الرأي ففيه خلط للأوراق وازدواجية في الأدوار وبعثرة للصلاحيات ومردوده عكسي بما يسببه من هلع وخوف وربكة وارتباك لزعزعة ثقة المجتمع في جهود الدولة ومن المفترض أن يكون لهم دور وصوت مسموع عند متخذي القرار بآلية سريعة معدة سلفًا. إلا إذا استشعروا خطرًا محدقًا أو مؤشرات تنذر بكارثة ولم يكن لديهم القدرة لتلافيها أو الحد من أضرارها وآثارها كعجز في البنية الصحية من أسرة أو مرافق أو كوادر طبية بما فيها العناية المركزة عن استيعاب أعداد المرضى المتزايدة مثلاً هؤلاء دورهم ملموس وجهودهم جلية وتضحياتهم مقدرة لكن هذه ليست مهمتهم وهناك منصة ومتحدث رسمي لاطلاع الجميع على كل تطورات الوضع ومن كافة الجوانب أولاً بأول.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.
** **
- مستشار وخبير إدارة أزمات وكوارث
drqahtani1@
dr.gahtani@gmail.com