م. بدر بن ناصر الحمدان
عَنْ ثَوْبانَ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَن لاَ يسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بالجَنَّة؟» فقلتُ: أَنا، فَكَانَ لاَ يسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً»، وذكر الشيخ بن باز رحمه الله في معرض تعليقه على هذا الحديث: أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم «يسقط سوطُه فلا يقول لأحدٍ: ناولنيه، بل ينزل عن دابَّته ويأخذ السَّوط، وهذا يُفيدنا قبح المسألة، وأنها لا تليق بالمؤمن، وأن المؤمن ينبغي له أن يبتعد عنها ما أمكن، إلا للضَّرورة».
هل فكرت يوماً في أن تتعلم على فن الاستغناء عن الآخرين وأن تُدرب نفسك على استقلالك ذاتياً، قولاً وعملاً..!، بالتأكيد لن يكون ذلك أمراً سهلاً لأننا بشر، وجُبلنا على التعايش والاندماج والحياة المشتركة والتكامل في أمور الحياة، وهذه مسألة طبيعية، لكن الحديث هنا عن «الحياة المشروطة» بوجود هؤلاء الآخرين، بمختلف درجة علاقتنا معهم، أقرباء أم أصدقاء أم زملاء، أو أولئك الذين عادة ما نضعهم على قائمة الانتظار في حالة طلب الحاجة منهم سواء كانوا مسؤولين، أو تجّارًا، ونافذين، وغيرهم ممن نختنق في دائرتهم لا من أجلهم، بل من أجل المصالح التي وراءهم، والأمر أيضاً يصل للمعارف من عامة الناس، كل هؤلاء الذين أُشير اليهم يجب أن تستهدفهم بالاستغناء إذا ما أردت أن تعيش مُلكاً لنفسك، لا أسيراً لدى الآخرين.
{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}، هذه خارطة الطريق، لتكمل رحلة الحياة متوكلاً على الله أولاً، ثم معتمداً على نفسك وقدراتك، دون سؤال الناس أو الحاجة إليهم في أي من أمور الدنيا، إلا لضرورة وبتعفف وفي أضيق الحدود، سواء كان ذلك مالاً أو شفاعة أو عوناً أو عاطفةً أو طلب حق ونحوها، عدا ذلك فارتق بنفسك، وضعها في منزلتها التي تليق بها، تعوّد أن لا تشحذ الاهتمام من أحد، وأعلم أن «لا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا»، ولا تربط نفسك بشخص، ولا تأسر حياتك مع جماعة، ولا تخضع لصاحب معروف تفضل به عليك يوماً، كن أنت من يمسك بزمام الأمور، ولا تنتظر أحداً مهما كلفك الأمر.
إذا ما اتقنت فن الاستغناء عن الآخرين، لن تكون مضطراً لإراقة ماء وجهك لأحد، ولا لهدر وقت طويل من حياتك في التزلّف وتصنّع المجاملة، ومنح التقدير والاهتمام لمن لا يستحق، ولن يكون عليك أن تتحول الى «سائساً» لشؤون الناس من أجل كسب ودهم ورضاهم، حينها ستكتشف نقطة الانطلاق، وستعيش معنى آخر للحياة، يشعرك بتفاصيل الوجود.
ولا تقلق أبداً، «فإن رباَّ كفاكَ بالأمسِ ما كانَ، سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ».