د. خالد الشرقاوي السموني
إن الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الرقمية الحديثة داخل المجتمعات أدى إلى ظهور ما يُسمى بـ»الثقافة الرقمية»، من خلال اكتساب المهارة في توظيف شبكة الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي والإلمام بطرق الاستفادة من نظام الخدمات عن بعد وفتح المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية كنافذة على العالم، مما جعل هذا النوع من الثقافة يسهم في تشكيل مجتمع المعرفة ودعم الاتصال الثقافي بين الأفراد داخل المجتمع من جهة، وبين شعوب العالم من جهة أخرى.
وهكذا، فإنه بعد إغلاق المتاحف والمعارض والمكتبات والمراكز الثقافية في ظل الإجراءات الاحترازية التي فرضتها حالة الطوارئ والحجر الصحي للحد من انتشار الوباء الناتج عن فيروس كورونا المستجد، وتوقف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جميع أنحاء العالم، باتت التقنيات الحديثة المحفز الأول والوسيلة المثلى لتعزيز الحوار الثقافي والإبداعي، وتشجيع التواصل بين الأفراد والشعوب والدول لتنظيم فعاليات ثقافية عن بعد عن طريق الوسائل الرقمية، دون الحاجة إلى الاجتماع في مكان واحد.
ومن أجل تكييف القطاع الثقافي للدول والهيئات مع المتغيِّرات الطارئة نتيجة الأزمة الصحية، تم في الفترة الأخيرة استثمار المحتوى الثقافي الرقمي في الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع عبر مبادرات نوعية على المنصات الرقمية من إنترنيت وفيسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتوب وغيرها.
والغاية من ذلك استمرار القطاع الثقافي في أداء أدواره الإبداعية المختلفة على الرغم من الحجر المنزلي أو الصحي، عن طريق الثقافة عن بعد، وتوفير مساحة إبداعية افتراضية تمد جسور التواصل بين الأفراد والجماعات وتذكي روح الإبداع غير المنقطع.
فقد ساهمت الثقافة عن بعد في التعريف على الكثير من المحتوى الثقافي والفني والمعرفي، كما استثمرت للموهوبين أوقاتهم، فشاركوا بإبداعاتهم أثناء فترة بقائهم في المنازل، في مجال الشعر والأدب والمسرح والموسيقى وغير ذلك.
ثمة بعض الدول أطلقت مبادرات ناجحة ومشجعة للثقافة عن بعد على المنصات الرقمية بهدف تشجيع أفراد المجتمع على مشاركة المحتوى الثقافي والفني عبر مبادرات نوعية. فأصبحت الثقافة بروافدها المتعددة متاحة للجميع عبر المنصات الرقمية تختصر الزمن وتنفتح على الأعمال الأدبية والفنية بشكل سهل وسريع. كل ذلك من أجل ترسيخ مفهوم الثقافة الرقمية وإيجاد الحلول البديلة لضمان استدامة العمل الثقافي في ظل الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول للحد من انتشار الوباء.
إن مثل هذه المبادرات الرقمية توصل الرسالة الفنية إلى أكبر عدد من الجمهور حول العالم، بما يعكس حيوية المشهد الثقافي وقدرته على العطاء والإبداع في أصعب الظروف، لإذكاء روح الإبداع الأدبي والفني لدى الأفراد وتحفيز المواهب والطاقات الإبداعية والفنية وتشجيع القراءة عن بعد للاستفادة من المكتبات الرقمية المتاحة، خاصة الكتاب الرقمي، الذي يعد الوسيلة المثلى للاستفادة العلمية والمعرفية في ظل الأزمة الصحية، حيث أصبح الجميع لا يجرؤ على لمس الكتاب الورقي خوفاً من العدوى.
إن الثقافة عن بعد وضعت العالم أمام حقائق الارتقاء المعرفي والمفاهيمي والتواصلي، في عالم ينتقل بسرعة ويواكب بسرعة متطلبات العصر الحالي. كما قرّبت بين الأفراد والشعوب رغم بعد المسافات، ورغم الحجر المنزلي. إنها حقاً وسيلة مثلى للاتصال الثقافي والمعرفي في ظل الأزمات، على الدول تشجيعها في المستقبل بكل الإمكانات والوسائل التقنية الحديثة.