د. محمد عبدالله العوين
يمكنني القول إن صحيفة الجزيرة عاشت عقداً هو أزهى سنوات مجدها الصحفي بدأ 1395 وانتهى 1404هـ.
ويمكن تعليل ذلك الصعود السريع في التألق وخوض غمار المنافسة مع الصحيفة الأخرى القوية في المنطقة الوسطى (الرياض) بأسباب عدة؛ منها أن رئاسة التحرير الجديدة بدأت تتجلَّى القدرات القيادية والمهنية لدى رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك الذي عيِّن رئيساً للجزيرة 1392هـ فبدأ نجاحه في تصاعد إلى أن بلغ أوجه 1405هـ، ولعل من حسن حظه أنه استطاع استقطاب كفاءات متميزة، فضمت الصحيفة خبرات صحافية متمرِّسة وأقلاماً شابة واعدة، فأشرقت مقالات الكتَّاب على صفحات الجزيرة من جيل (الشيوخ) جيل الرواد ومن تتلمذ على أيديهم وتخرَّج في الجامعات السعودية أو تم ابتعاثه لإكمال تحصيله العلمي الأكاديمي في الجامعات الأوربية والأمريكية، ثم الجيل الشاب المتطلع إلى البروز والوقوف بكل ثقة في صف الآباء وتلاميذهم، وهو أبناء ما قبل مطلع القرن الهجري الجديد.
وبكل هذا الزخم والغنى والتفاعل النابض بعميق المتابعة وشجاعة المواجهة لكثير من قضايا المجتمع الذي يسرع في خطاه نحو التحديث والانفتاح دخلت الصحيفتان الجزيرة والرياض في تنافس محموم خفي حيناً ومكشوف مرات عدة، وظهر التنافس في صناعة خبطات صحافية مثيرة، أو صياغة عناوين سياسية لافتة لحدث طارئ تنشر على الصفحة الأولى ببنط أحمر عريض.
بدأت حياتي الصحافية بدخولي إلى بلاط «الجزيرة» عام 1398هـ فوجدت في مكاتبها من المدراء ورؤساء الأقسام والمحررين والكتَّاب والفنيين من يستطيع أن يصدر صحيفتين وثلاثاً، كانت «الجزيرة» في موقعها القديم بحي الناصرية على الشارع الرئيس تضج بهذا التنوّع الثري، حيث كان عثمان العمير سكرتيرًا للتحرير قبل أن يتلندن، ومحمد الوعيل سكرتيرًا للتحرير بعد ذلك، وجاسر عبد العزيز الجاسر مسؤولاً عن الشؤون السياسية، ومحمد التونسي مسؤولاً عن القضايا المحلية، وحمد القاضي مشرفاً على الملحق الأدبي، وعبد الله ناصر الشهري وحاسن البنيان وحسين الفراج مسؤولين عن المحليات والتحقيقات والمراسلين.
وإلى جانب هؤلاء كان المحررون على اختلاف اهتماماتهم يتوزعون على مكاتب الجريدة، ومنهم عبدالعزيز المنصور وعبدالرحمن الراشد ومسفر الغامدي، ومحمد عبد الرحمن العتيق ومحمد الأحيدب، ومحمد الكثيري، وغيرهم.
تميّز حسين الفراج بذكائه الحاد ودقة ملاحظته وشجاعته في الكتابة وحبه خوض المغامرة الصحافية، وهو إلى ذلك أنيق مفرط في اهتمامه بهندامه واختيار ملابسه، ويرتسم على شفته العليا شارب دقيق طويل تحته لحية حليقة كشأن شباب مطلع 1400هـ.
كنت متجاوراً معه، حيث مكتب القسم الأدبي يسبق مكتبه، فإذا أنهكنا العمل وشعر كل منا بحاجته إلى الحديث صاح بالعم (عوض) ليصنع شاينا المشترك.
عاش حسين الفراج -رحمه الله- تحت أضواء «الجزيرة» حين كانت تتألق كاتباً منتظماً في زاوية (هوامش صحافية) وصاحب سبق للقاء صحافي أو ندوة أو تحقيق جريء قبل أن يطلق «الجزيرة» 1406هـ حين انتقلت من عهد إلى عهد ومن إدارة إلى إدارة كما طلقها ورحل عنها آنذاك ستة عشر صحافياً نابهاً إلى محطات أخرى تألقوا وأبدعوا فيها.