أ.د.عثمان بن صالح العامر
مجتمعياً (السفيه) في لغتنا الدارجة هو من لا يحسّن التصرف، ويمكن أن يضر نفسه من حيث لا يعلم، وقد يُسلب ما معه ويؤخذ ما بيده دون اكتراث منه أو اهتمام، وغالباً إن لم يكن دائماً ما يغضبنا هذا النعت، ونرفض إلصاق تهمة السفه بنا حين تعاملنا مع الناس. القرآن الكريم أطلق على من لا يحسنون التصرف الاقتصادي (سفهاء)، وأمر عزّ وجلّ بامتحان صغار الأيتام قبل دفع أموالهم لهم مع أنهم هم أصحابها وملكيتها تعود لهم في النهاية، وهذا يقودونا إلى الحديث عن (الرشد الاقتصادي) الذي يعني: امتلاك القدرة على الوقوف عند نقطة التوازن الحقيقية (القوام) بين حدين متناقضين كل منهما منهي عنه (الإسراف) و(التقتير). ومع أن هذا الأمر ربما يكون عند التنظير أمرًا هينًا ميسورًا إلا أننا حين التفكير في كثير من سلوكياتنا الاقتصادية وتصرفاتنا الحياتية والتدقيق في مصروفاتنا المالية نجد أن هناك بوناً شاسعاً بين مثاليتنا التي نطرحها حين الحديث في هذا الموضوع بالذات وبين واقعنا الاقتصادي المعيش، ليس فقط لدى طبقة الأغنياء منا فحسب، بل إن هذا الاختلاف موجود لدى جميع طبقات المجتمع، وربما كانت الهوة بين (التنظير) و(التطبيق) لدى الطبقة المتوسطة أظهر وأبين منها لدى أهل الثراء الذين يتمتعون غالباً بالنضج الاقتصادي، فهم لا يتبعون المثل القائل (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) على إطلاقه، وفي ذات الوقت يرفضون القاعدة التي تقول (القرش الأبيض لليوم الأسود) فيحرمون أنفسهم ويقترون على ذرياتهم، وإنما يوزعون دخلهم الشهري بين الاستهلاك والادخار والاستثمار، وحين الصرف الاستهلاكي يفرقون بين الضروري والحاجي والتحسيني، وعند الاستثمار يهتمون كثيراً بدراسة الجدوى الاقتصادية قبل الشروع في التنفيذ، وفي الادخار يجدولون ويتابعون حتى يحفظوا مدخراتهم بالزكاة، وينالوا البركة الربانية في أموالهم.
إن جائحة كورونا التي ما زالت جاثمة على صدور البشرية قاطبة جعلت الكثير منا يفكر بعقلية اقتصادية جديدة تختلف عن حاله السابقة، فبعد أن كانت (عقلية الوفرة) هي أساس النظرة المستقبلية صارت (عقلية الندرة) تزاحمها على المستوى الفردي، والسؤال المهم هنا: هل ستتكسر عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي أمام الظروف الجديدة التي فرضتها (كورونا) وما بعدها، أم أنه مجرد تغيير مؤقت لوقوعنا تحت تأثير محدود لهذه الجائحة التي بدلت الأحوال وسينتهي هذا التأثير بعد زمن قريب ونعود سيرتنا الأولى (إسراف وتبذير) خاصة في مناسباتنا الاجتماعية وعلى وجه أخص في حفلات الزفاف والأفراح والعيب الاجتماعي، والتماهي في المحاكات والتقليد للآخرين، وخشية كلام الناس (وش يقولون) هي الدافع والمحرك لنعود كما كنا من قبل للأسف الشديد، وهذا تحد حقيقي أمام كل منا في حياته الخاصة، فهل سنكسب الراهن؟ أشك، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.