د. ناصر بن علي الموسى
يسعدني ويشرفني أن أصدر هذه المقالة بكلمات مضيئة سجلها التاريخ بأحرف من نور، وستبقى تاجاً على صدر الزمان عبر العصور، إنها كلمات قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المؤسس والرئيس الأعلى لمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، وقد تم اقتباسها من الكلمة التي ألقاها أثناء تدشين المركز، عندما كان -حفظه الله- أميراً لمنطقة الرياض: «ويمثل هذا المركز لبنة إضافية أخرى إلى الجهود الخيرة التي يتبناها المجتمع السعودي الخير لمواجهة الإعاقة، ومساعدة المعوقين، والإسهام في رفع المعاناة عنهم باعتبارهم فئة عزيزة من فئات مجتمعنا المتكامل المتراحم.
ندعو الله أن يوفق القائمين عليه والمتعاونين معه إلى تحقيق كامل أهدافه والله الموفق» (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المؤسس والرئيس الأعلى للمركز).
ويحظى المركز بالرعاية والعناية والاهتمام والدعم غير المحدود من لدن قيادتنا الحكيمة منذ تأسيسه حتى الآن؛ فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- هو مؤسسه ورئيسه الأعلى، وهو الذي قدم منحة مالية مقدارها عشرة ملايين ريال لإنشاء وقف للمركز، كما تفضل بالموافقة على أن يتشرف المركز بحمل اسمه الكريم، وهو الداعم الأول والأكبر له.
وكما يعلم الجميع، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أيده الله - يولي الأشخاص ذوي الإعاقة اهتماماً غير مسبوق ويقدم لهم دعماً غير محدود، وقد جاءت رؤية المملكة 2030 بقيادة مهندسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - وفقه الله - لتبلور وتأطر هذا الاهتمام والدعم، وذلك من خلال برامجها ومبادراتها التي تستهدف تلك الفئات، الأمر الذي يسهم -بشكل فاعل- في النهوض بمسيرة هذا الكيان البحثي المتميز.
وكان المركز قد تشرف بالحصول على الدعم المادي والمعنوي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمهم الله جميعاً.
ويعد المركز ثمرة من ثمرات جهود صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وهو يتولى رئاسة مجلس أمنائه منذ تأسيسه حتى الآن، ويوليه جل رعايته وعنايته ودعمه واهتمامه، ويتابع بدقة بالغة كل تطوراته ونشاطاته، ويشرف بحرص شديد على جميع مبادراته ومشروعاته.
ويضم مجلس أمناء المركز في عضويته - عبر دوراته المتتالية - نخبة من الأمراء والوزراء والعلماء ورجال الأعمال وأصحاب الخبرة والاختصاص.
وقد تأسس المركز عام 1411 هـ، وصدرت موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية - كما كانت تسمى آنذاك - على اعتماده بشكل رسمي في 24-1-1412 هـ، وجاء تأسيس هذا المركز بمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز من خلال رئاسته لمجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين (جمعية الأطفال ذوي الإعاقة حالياً)، وعلى هذا الأساس يكون المركز قد خرج من رحم هذه الجمعية كذراع علمي- بحثي لها، وبدأ أعماله في مقر مؤقت بمبنى الجمعية بالرياض، إلا أن ضخامة حجم رسالته، وجسامة أبعاد مهمته، وطموحات مؤسسه ورئيسه الأعلى، وتطلعات رئيس مجلس أمنائه والعاملين عليه، حتمت عليه أن يصبح مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تخضع لإشراف إداري ومالي من وزارة الشؤون الاجتماعية سابقاً (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حالياً).
وفي هذا الإطار انتقل مقر المركز إلى حي السفارات بالرياض، حيث تم تطويره وتدعيمه بالمستلزمات المكانية، والمتطلبات التجهيزية، والكوادر البشرية المؤهلة لتمكينه من تحقيق أهدافه، حتى صار مركزاً علمياً، وصرحاً بحثياً وحيداً متخصصاً في أبحاث الإعاقة على مستوى المنطقة، وواحداً من أكبر المراكز البحثية في العالم.
ويكتسب المركز أهميته من كونه معنياً بالبحث العلمي الذي يعد أهم الوسائل التي يمكن توظيفها للتصدي للإعاقة سواء بالوقاية منها أو التخفيف من آثارها عند حدوثها.
ويحتضن المركز جائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة، وهي تتشرف بحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيده الله -، وتعد من أهم الجوائز التي تمنح في مجال البحوث والدراسات المعنية بالإعاقة، إن لم تكن أهمها جميعاً، وهي جائزة عالمية تستهدف العلماء والعالمات والباحثين والباحثات المتميزين - على مستوى العالم - الذين ضربوا بأوفر سهم في إثراء الحركة العلمية والبحثية في مجال الإعاقة.
وتمنح الجائزة في ثلاثة فروع رئيسة هي: فرع العلوم الصحية والطبية، وفرع العلوم التعليمية والتربوية، وفرع العلوم الاجتماعية والتأهيلية.
وقد تزامن تقديمها في دورتها الأولى مع المؤتمر الدولي الرابع للإعاقة والتأهيل الذي عقد في الفترة من 25 - 27 ذي الحجة 1435هـ، الموافق 19 - 21 أكتوبر 2014م، كما تزامن تقديمها في دورتها الثانية مع المؤتمر الدولي الخامس الذي عقد في الفترة من 15 - 16 رجب 1439هـ، الموافق 1 - 2 أبريل 2018م، ومن المقرر أن تمنح في دورتها الثالثة بالتزامن مع المؤتمر الدولي السادس للإعاقة والتأهيل الذي سيعقد - بإذن الله تعالى - خلال السنتين القادمتين، ويوجد للجائزة لائحة داخلية تنظم عملها في المجالات العلمية والهيكلية والإدارية والمالية.
وقد فاز بالجائزة في دورتيها الأولى والثانية عدد من العلماء والعالمات والباحثين والباحثات الذين تفردوا بجودة وغزارة إنتاجهم العلمي في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والمجر، وتسعى الجائزة جاهدة إلى أن تكون مؤشراً حقيقياً وشاهداً علمياً على مدى تقدم البحث العلمي المرتبط بالإعاقة في مختلف دول العالم.
ويتبنى المركز برنامج الوصول الشامل في المملكة، وفي إطار حرصه على أداء رسالته الوطنية الرامية إلى الإسهام في تهيئة البيئات بمختلف القطاعات، فقد قام المركز بإعداد أربعة أدلة هي: الدليل الإرشادي للوصول الشامل في البيئة العمرانية، والدليل الإرشادي للوصول الشامل في وسائط النقل البرية، والدليل الإرشادي للوصول الشامل لوسائط النقل البحرية، والدليل الإرشادي للوصول الشامل للوجهات السياحية والقطاعات الإيوائية.
وقد تضمنت هذه الأدلة الضوابط والمعايير والمتطلبات الإرشادية التي تضمن - بإذن الله تعالى - التنقل الآمن للأشخاص ذوي الإعاقة في هذه البيئات، وتتويجاً لجهود المركز في مجال الوصول الشامل، وتفعيلاً لمضامين هذه الأدلة، وتحقيقاً للفائدة المرجوة منها، فقد تم اعتمادها بموجب الأمر السامي الكريم رقم (35362) وتاريخ 22-9-1434 هـ.
ويخضع المركز - بشكل مستمر - لعمليات التقويم من قبل بيوت خبرة عالمية متخصصة، ويحتل مكانة متقدمة جداً في تطبيق الحوكمة، واعتماد مؤشرات قياس الأداء المعتبرة محلياً وعالمياً.
وقد استطاع المركز من خلال إستراتيجيته وخطة عمله أن ينجز العديد من المشروعات البحثية والبرامج التطويرية، وفيما يلي استعراض سريع لبعض المجالات التي تناولتها هذه المشروعات والبرامج:
1. الاهتمام بالدين الإسلامي الحنيف، وإبراز دوره في النهوض بمستوى حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لم يدخر المركز جهداً في هذا السبيل، فقد تبنى دعم مشروع (دراسة حقوق المعوقين في الإسلام)، وكذلك دراسة عن دور الوقف في دعم البحث العلمي، ومساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة على فهم الإسلام، وتنويرهم بأمور دينهم.
2. العمل على إعداد وتطوير وتقنين أدوات القياس والتشخيص التي تناسب البيئة السعودية، وتوائم متطلبات العلاج والتأهيل والوقاية من الإعاقة، وتنسجم مع أعراف وتقاليد المجتمع السعودي، وفي هذا الإطار نظم المركز العديد من ورش العمل والدورات التدريبية، كما قام بدعم بعض الدراسات والأبحاث في هذا المجال.
3. العمل على إعداد وتطوير الأنظمة والقوانين والتشريعات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والتي توجت بإعداد (مشروع نظام رعاية المعوقين في المملكة)، والذي صدر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/ 37) وتاريخ 23-9-1421 هـ، وتجدر الإشارة إلى أن المركز قد أعد مشروع هذا النظام بدعم سخي من مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية.
وقد قام مجلس الشورى مؤخراً بتحديث وتطوير هذا النظام ليصبح اسمه الجديد (نظام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة)، ويأتي هذا التعديل انسجاماً مع أهداف رؤية المملكة 2030 في سياق اهتمامها بالأشخاص ذوي الإعاقة، واستجابةً لمتطلبات اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدرت عن الأمم المتحدة عام 2006 م، ووقعتها المملكة وصادقت عليها عام 2008 م، ومواكبةً للتوجهات والتغيرات والتطورات السريعة التي يشهدها مجال الإعاقة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية.
4. العمل على الوقاية من الإعاقة أو الحد من آثارها، وقد تبنى المركز العديد من المشروعات العملاقة في هذا المجال، يأتي في مقدمتها (البرنامج الوطني للكشف المبكر لدى المواليد)، والذي يهدف إلى الحد من الإعاقات التي تحدث بنسبة عالية بسبب اضطرابات المورثات في المملكة.
5. دعم الدراسات والأبحاث الرامية إلى تطوير برامج التدخل المبكر التي تعنى بالأطفال بمجرد ولادتهم، حيث تعد هذه الدراسات والأبحاث من الأولويات المدرجة في قائمة أعمال المركز، وهي تهدف إلى التعرف على المورثات المسئولة عن بعض الاضطرابات المتمثلة في مرض التوحد العقلي، وحالات الصرع، وحالات فقدان السمع، وحالات فقدان البصر، ومرض الزهايمر، وغيرها من الأمراض الأخرى.
6. إجراء الدراسات المسحية المهمة التي تهدف إلى التعرف على حجم الإعاقة في المملكة، وتحديد أنواعها، ونسبة حدوثها، ومدى انتشارها، والأسباب والعوامل المتعلقة بها، ويأتي على رأس المشروعات التي أنجزها المركز في هذا السبيل مشروع (البحث الوطني لدراسة الإعاقة لدى الأطفال تحت سن السادسة عشرة بالمملكة).
7. إجراء الدراسات التطبيقية ذات الصلة الوثيقة بمجالات الإعاقة، والتي هي محور ارتكاز عمل المركز، ومن أهم تلك الدراسات ما يلي:
أ. (البرنامج الوطني لدراسة تطور مهارات التواصل باللغة العربية)، وهو مشروع بحثي يهدف إلى تحديد مراحل تطور اللغة والكلام لدى الأطفال الذين يعانون من عيوب في النطق بالمملكة، وذلك في الفئة العمرية ما بين سنة إلى ثمان سنوات.
ب. (علاج التصلب العضلي لدى المعوقين)، وقد أكدت نتائج هذا البحث أن عقار (البوتيولينوم توكسين) يقلل من درجة التيبس العضلي، ويساعد على تحسين الأداء الوظيفي للمريض.
ج. (المشكلات السلوكية لدى الأطفال المعوقين في المملكة)، وقد هدف هذا المشروع إلى إعداد أدوات لقياس المشكلات السلوكية لدى الأطفال ذوي الإعاقة من الجنسين.
8. تطوير التقنية المساعدة لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أخذ المركز على عاتقه مهمة تطويع وتكييف التقنية المتقدمة لخدمة هذه الفئات، فقد بادر بدعم مشروعات بحثية معنية بهذا الغرض مثل:
أ. بحث بعنوان (نظام تواصل متكامل للصم والمعوقين سمعياً)، والهدف الرئيس من هذا النظام هو تحويل لغة الإشارة العربية إلى لغة منطوقة، وهذا الإجراء يعد الخطوة الأولى في سبيل إيجاد نظام ذي اتجاهين يقوم بتحويل لغة الإشارة إلى لغة منطوقة واللغة المنطوقة إلى لغة إشارة.
ب. مشروع بعنوان (تصميم وتنفيذ بيئة برايلية عربية حاسوبية)، وهذه البيئة تهدف إلى تمكين مستخدمي الحاسب الآلي من فاقدي البصر من إدخال البيانات والمعلومات بواسطة الحاسوب، وبهذه الطريقة يستطيعون التواصل مع العالم الخارجي دون الحاجة إلى المساعدة من شخص آخر.
ج. (برنامج تعليم إلكتروني لأطفال التوحد)، وهو يهدف إلى تصميم وإنجاز التطبيقات الإلكترونية التفاعلية (دروس تعليمية متعلقة بالعواطف) لتدريب الأطفال الذين يعانون من التوحد ومساعدتهم على فهم تعابير الوجه، والأحداث الجارية، وبعض السلوكيات المناسبة للتحكم في المشاعر.
9. إجراء الأبحاث والدراسات التعليمية والتربوية التي تهدف إلى التعرف على أفضل الوسائل والأدوات التشخيصية، وأنجع الأساليب والاستراتيجيات التدريسية، بالإضافة إلى الاهتمام الشديد بنشر برامج التوعية للأهالي والعاملين في مجال التربية والتعليم، وذلك بهدف تعريفهم بالأطفال ذوي الإعاقة وخصائصهم واحتياجاتهم، ومن أهم الأبحاث التي تبناها المركز في هذا السبيل دراسة بعنوان (الإطار المرجعي للوصول إلى المنهج العام للتلاميذ ذوي الإعاقة في دول الخليج العربي)، ويهدف هذا المشروع إلى دعم وصول التلاميذ ذوي الإعاقة إلى المنهج العام في مؤسساتهم التعليمية كبديل عن المنهج الخاص من خلال توضيح مفهوم المنهج العام وطبيعته لمعلمي ومعلمات التعليم العام والتربية الخاصة.
ودراسة أخرى بعنوان (أثر استخدام التعليم المبني على التقنية لعلاج عسر القراءة «الديسليكسيا» عند التلاميذ السعوديين بالمرحلة الابتدائية)، وكانت هذه الدراسة تهدف إلى التوصل إلى برامج تربوية مناسبة للتلاميذ الذين يعانون من عسر القراءة يتم من خلالها توظيف التقنيات التربوية الحديثة كالحاسوب والفيديو التفاعلي من أجل علاج صعوبات التعلم الناجمة عن الديسليكسيا، بالإضافة إلى إيجاد برامج إرشادية تكميلية للمعلمين والمعلمات.
10. إجراء الأبحاث والدراسات الإعلامية والمعلوماتية، حيث تبنى المركز عدداً من المشروعات التي تبرز دور الإعلام بشكليه القديم والجديد باعتباره أحد المصادر الرئيسة في تشكيل المعرفة التي تنبثق عنها آراء الجمهور وأفكاره ومواقفه واتجاهاته نحو الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن أمثلة تلك المشروعات ما يلي:
أ. البحث الذي تناول الجهود الصحفية المحلية لتحديد كيفية تعامل الصحافة السعودية مع قضايا الإعاقة.
ب. البحث الذي صدر بشأن تقييم طريقة تقديم الخدمات المعلوماتية في المكتبات السعودية بأنواعها العامة والجامعية والبحثية لذوي الإعاقة البصرية.
11. العمل على تفعيل والإفادة من توصيات المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية مثل: توصيات المؤتمر السعودي الأول لرعاية المعوقين الذي نظمته جمعية الأطفال المعوقين سنة 1413هـ، الموافق 1992م، والمؤتمر السعودي الثاني لرعاية وتأهيل المعوقين، الذي نظمه المركز بالتعاون مع جمعية الأطفال المعوقين سنة 1420هـ، الموافق 2000م، كما نظم المركز بالتعاون مع بعض القطاعات الحكومية والأهلية والخيرية المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة والتأهيل عام 1430 هـ، الموافق 2009م، والمؤتمر الدولي الرابع للإعاقة والتأهيل عام 1435 هـ، الموافق 2014 م، والمؤتمر الدولي الخامس للإعاقة والتأهيل عام 1439هـ، الموافق 2018م.
12. تطوير وتفعيل المعرفة والخبرة في أبحاث الإعاقة، وذلك من خلال قيام المركز بعقد اتفاقات وشراكات مع المراكز العلمية داخل المملكة وخارجها تقوم على أساس بناء التعاون والتنسيق والتكامل والعمل المشترك من أجل ضمان عدم الازدواجية، وهدر القوى البشرية، والموارد المالية بهدف الارتقاء بمستوى كم ونوع البرامج والنشاطات والخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة.
وفي سياق مسيرة المركز الحافلة بالنشاطات الوفيرة، والإنجازات الكبيرة، والمشروعات العملاقة، والمبادرات الخلاقة، فإنه يجدر بي أن أشارك ببعض الأفكار، وهي مزيج من الأمنيات والمقترحات النابعة من سويداء قلبي الذي يكن لهذا الصرح العلمي الشامخ والقائمين عليه كل الحب والاحترام والشكر والتقدير والعرفان والامتنان للدور القيادي الريادي الذي يضطلع به في مجال البحث العلمي المعني بالإعاقة، كما أنها تأتي في إطار إعجابي الشديد بمسيرة المركز التاريخية الخالدة ومكتسباته وإنجازاته العظيمة، وإيماني العميق بالأسس والمبادئ والمرتكزات التي يقوم عليها، وانتمائي التام لرسالته ورؤيته وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها.
وهذه الأمنيات والمقترحات كما يلي:
1. أن يوفق الله - سبحانه وتعالى - القائمين على هذا المركز في اختيار الكفاءات المتميزة على مستوى الإدارة التنفيذية، بحيث تتمتع بالمؤهلات العلمية العالية، والخبرات المهنية الرصينة، والمكانة العلمية والبحثية الرفيعة، والصفات القيادية الجيدة، والحضور والقبول المتميزين في المحافل العلمية المعنية بالإعاقة.
وفوق هذا كله، فإنه ينبغي أن تتوفر لدى هذه الكفاءات القناعة التامة برسالة المركز النبيلة، والإيمان الراسخ بأهدافه الأصيلة، والولاء المطلق لقضية الفئات التي يستهدفها كي تكون هذه الكفاءات قادرة على المحافظة على المكتسبات العظيمة التي تحققت للمركز، بل والعمل على تطويرها وتأصيلها وتفعيلها، والارتقاء بمستوى أداء المركز، وتحسين مدخلاته وعملياته ومخرجاته، بما يليق بالاسم الكريم الذي يتشرف المركز بحمله، وينسجم مع تطلعات وطموحات وجهود سمو رئيس مجلس أمنائه والنخبة التي يضمها هذا المجلس، ويلبي احتياجات الفئات التي تستفيد من خدماته.
2. أن يصبح المركز ذراعاً علمياً قوياً لهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك من خلال تفعيل بنود اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تم توقيعها بين الطرفين، بحيث يمدها بالأبحاث والدراسات والأطروحات، ويزودها بالمعلومات والبيانات والإحصاءات، ويرفدها بالخبرات والاستشارات والمقترحات، ويساعدها على التغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجهها.
3. أن يتوج المركز اهتمامه العظيم، وعنايته الفائقة، ودعمه غير المحدود لجائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة باستحداث مقر مستقل للجائزة، حتى ولو داخل المبنى الحالي للمركز، المهم أن يتوفر في هذا المقر المستلزمات المكانية، والمتطلبات التجهيزية، والكوادر البشرية المؤهلة، وأن يتم تفعيل الهيئة العليا للجائزة، وأمانتها العامة، ولجانها المتخصصة بشكل دائم.
4. أن يتبنى المركز فكرة إصدار مجلة علمية متخصصة محكمة في علوم الإعاقة، وتصدر باللغتين العربية والإنجليزية، وتطبع في أشكال ورقية وإلكترونية متعددة.
والأهم في ذلك أن يتم إعدادها وإخراجها وفق أعلى مقاييس الجودة والتميز، وحسب أرقى ضوابط ومعايير الاحترافية في مجال اختصاصها، وبناءً على أحدث الاتجاهات والتوجهات والتطورات التي يشهدها مجال الإعاقة في العالم، لكي تكون قادرة على منافسة أهم وأعرق المجلات والدوريات العالمية في مجال الإعاقة، وتصبح المظلة الكبرى للمجلات والدوريات المعنية بالإعاقة في العالم العربي.
5. أن تعمل الإدارة التنفيذية للمركز على تحديث موقعه الإلكتروني بشكل مستمر، فعلى سبيل المثال ما زال الحديث عن التعريف بالمركز يشير إلى تأسيسه قبل عشرين عاماً، وهذا يعني أن هذا الكلام قد كتب قبل عشر سنوات من الآن، إذ إن عمر المركز حالياً يناهز الثلاثين عاماً، كما أن الكلام عن جائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة ما زال مقتصراً على الجائزة والفائزين بها في دورتها الأولى، ولا يتطرق - بأي حال من الأحوال - إلى الجائزة والفائزين بها في دورتها الثانية، بل إن الموقع أصبح يقدم معلومة غير صحيحة عن الجائزة مفادها أنه يتم الآن قبول الترشيح للجائزة في دورتها الثانية، مع أن هذه الدورة قد انتهت قبل سنتين.
6. دراسة إمكانية تحويل المركز إلى أكاديمية تسمى: (أكاديمية الملك سلمان لعلوم الإعاقة)، وهذا المقترح الأخير هو الأهم في نظري، ذلك أن تبني فكرته سيسهم في تحقيق الأمنيات وبلورة المقترحات التي سبقت الإشارة إليها.
وأرى أن الوقت قد حان لأن يتلطف مجلس أمناء المركز بالنظر في هذا المقترح، وذلك في ظل التطورات والتغيرات المحورية التي تعيشها بلادنا الحبيبة، وما تشهده مجالات علوم الإعاقة من توسع وانتشار، بالإضافة إلى أن المركز نفسه قد مر بالعديد من مراحل التطوير واكتساب الكثير من الخبرات الكمية والنوعية.
وعلاوة على ذلك، فإنه يلاحظ أن نشاط المركز لم يعد مقتصراً على البحوث والدراسات وعقد المؤتمرات والندوات، بل امتد ليشمل نشاطات أخرى تفرضها حاجة المجتمع، مثل: التأهيل والتدريب، والوصول الشامل، وتأليف الكتب وترجمتها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن المركز يمثل حلقة الارتكاز لأنشطة الإعاقة في المملكة.
وأقترح في البداية أن تقوم هذه الأكاديمية على المراكز التالية:
- مركز الأبحاث والدارسات، وهو المركز الحالي.
- مركز التأليف والترجمة.
- مركز الوصول الشامل.
- مركز التأهيل والتدريب.
- مركز المعلومات والإحصاءات.
وهذا يقتضي إعداد تنظيم متكامل يحدد أهداف هذه الأكاديمية، ومهامها واختصاصاتها، والأسس والمرتكزات التي تقوم عليها، وآليات عملها .. إلخ.
وفي الختام .. أدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظ هذا المركز والقائمين عليه كي يواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء، ويظل صرحاً علمياً شامخاً يرتفع عالياً ليعانق بإنجازاته عنان السماء، وينتشر واسعاً ليبلغ بخدماته جميع الأنحاء.