د.شريف بن محمد الأتربي
يومًا بعد يوم ترتفع أسهم التعليم الإلكتروني في سماء النظم التعليمية المتعددة ليكون بطل المشهد الحالي وربما المستقبلي أيضا. فالسيد كورونا - عافنا الله وإياكم منه - استطاع خلال فترة ظهوره المفاجئ وانتشاره المتسارع أن يقدم الجليل من الخدمات لكثير من المجالات والقطاعات، فقد سلط الضوء على القطاع الصحي، والتسوق الإلكتروني، والترفيه عبر الإنترنت، و... ومن أهم هذه المجالات: مجال التعليم، وخاصة الإلكتروني، وبالتحديد التعلم عن بعد.
ومن خلال الإحصائيات والدراسات التي نُشرت عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، كانت النظرة إلى التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد نظرة إيجابية مع بعض التحفظ من قبل المتخصصين في المجال.
ومن أهم النقاط التي أثيرت خلال المناقشات؛ ما يتعلق بصناعة المحتوى واحترافية استخدام الأدوات.
لقد كانت فترة تعليق الدراسة في كثير من الدول والتوجه إلى التعلم عن بعد سببًا أساسيًا لبروز ووضوح مشكلة صناعة المحتوى الرقمي التعليمي أو التدريبي، حيث أشار أغلب المتخصصين إلى ضعف هذا المحتوى وعدم توافقه مع الأهداف المطلوب تحقيقها خلال عملية التعلم، بل النقطة الأكثر أهمية هي تكرار المحتوى من قبل المعلمين وانتشار في كثير من المواقع بنفس المحتوى واختلاف المؤلف أو المنتج أو المّعد.
على مدار مئات السنين كان المعلم هو الشخص الوحيد المناط به عملية التعلم داخل الفصل، وكذلك إعداد الأنشطة والوسائل المعينة للمتعلمين، والتي ينبغي أن تتناسب مع جميع الفئات وكذلك تراعي الفروق الفردية والسمات الشخصية للمتعلمين. ومع ظهور التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد واعتمادهما في كثير من الدول والمؤسسات التعليمية كبديل معتمد للتعليم الرسمي داخل القاعات الدراسية؛ ظهر المحتوى الرقمي وأصبح من أهم العناصر الأساسية التي تكون البيئات التعليمية الإلكترونية. ومع مرور الوقت ثبت أن التصميم الواحد للمحتوى لا يمكن أن يناسب جميع أنماط المتعلمين ولا يتوافق مع وجود فروق فردية بينهم، سواء في مستوى الخبرات السابقة، أو القدرات الذهنية.
وتعد صناعة المحتوى التعليمي الرقمي من أهم الصناعات الحالية ومصدر ربح لكثير من المؤسسات والشركات، بل لكثير من مطوري البرامج أيضا. فصناعة المحتوى الرقمي- كما هو الحال في المحتوى المطبوع- تحتاج إلى عدة خطوات سابقة ولاحقة؛ ومن أهم الخطوات التي يجب أن يراعيها صانع المحتوى: وضوح الأهداف، وأيضا ترابط وتناغم الأفكار بحيث لا يتم تشتيت المتعلم خاصة في التعلم غير المتزامن. وقد حرصت الكثير من الشركات الكبرى على توفير أدوات لصناعة المحتوى بحيث تحول هذا التخطيط والتسلسل المترابط للأفكار إلى محتوى مقبول رقميا بل وفي كثير من البرامج يصبح المحتوى تفاعليا أيضا.
ولأجل الوصول لهذه المرحلة من الاحترافية في صناعة المحتوى يجب على المسؤولين أن يضعوه ضمن أولوياتهم سواء في تدريب المعلمين أو من خلال استقطاب المتميزين منهم لنشر ثقافته في أوساطهم عبر المجتمعات المهنية ووسائل التواصل الاجتماعية.
والنقطة الثانية التي أظهرتها التجربة السابقة في تطبيق استخدام التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد، وهي لا تقل بأي حال من الأحوال عن المحتوى؛ هي الاستخدام الاحترافي لأدوات التعلم الإلكتروني أو بمعنى أدق أدوات منصات التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد. فالمعلم والمتعلم كلاهما يحتاجان إلى كثير من التأهيل للتحول من مرحلة معرفة استخدام الأداة إلى مرحلة احترافية استخدام الأداة والذي بدوره سيعظم الاستفادة من هذه الأدوات ويثري المجتمع التعليمي بأثره بتجارب ناجحة في تطبيق استخدام الأدوات.
وقد شرفت بمعاصرة إحدى التجارب في تطبيق استخدام هذه الأدوات أثناء وجودي في مدارس الرياض، حيث تم تدريب الطلاب على رسم الخرائط الجغرافية باستخدام لوحات التركيب أو Puzzle، حيث تم تطبيق استراتيجية التعلم باللعب باستخدام السبورة الذكية عبر أحد مواقع صناعة لوحة التركيب وربطها بمؤشر زمني، وقد حققت هذه التجربة نجاحا مدويا في التطبيق بل إن كثير من الطلاب استمر في استخدام الموقع والأداة داخل المنزل للتنافس مع إخوانه.
إن صناعة المحتوى المتميز - وليس الجيد أو المقبول - ورفع الوعي باستخدام أدوات التعلم الإلكتروني عاملان مهمان في تحقيق أهداف التعلم لدى المتعلمين خاصة في بيئة التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد.