عبود بن علي ال زاحم
لم تكن أولوية المهارات في التوظيف بالشركات والمؤسسات بدلاً من الشهادات العلمية، شيئاً مستحدثاً، بدأ بالأمر التنفيذي الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفروع حكومته الفيدرالية، الجمعة 26 مايو من هذا العام، والقاضي بالتركيز على المهارات بدلاً من الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين، ولكنها عبارة عن جدلية قديمة متجددة ظل ينادي بها كثير من المسؤولين وصناع القرار ورجال الأعمال في العالم منذ فترة ليست بالقصيرة.
وقد استبق كثير من المؤسسات والشركات بروتوكول ترامب باعتماد المهارات والخبرات في الوظائف بدلاً من الشهادات العلمية التي يحملها خريجو الجامعات والمعاهد العليا، وذلك بمنطق أن عددًا من المشاهير الذين بهروا العالم بابتكاراتهم وإشراقاتهم لم يكونوا من حملة الشهادات العملية، ولكنهم أشخاص عصاميون تفوقوا بمهاراتهم في مجالات عصية على الحصر لا سيما في المجال التقني وما يتصل به من تطورات في أوجه الحياة المختلفة، وذكرت منصة هوامير البورصة السعودية أن هناك عمالقة كثيرين حول العالم متميزين وهم بلا شهادات، مستشهدة بعدد من الشركات الكبرى في العالم التي أعلنت في، الأشهر القليلة الماضية، أن العمل لديها لم يعد يتطلب بالضرورة الحصول على شهادة جامعية مثل «آبل» و»جوجل» و»آي.بي.إم» خصوصاً في المناصب التقنية والإدارية، وأضافت المنصة أن هناك قائمة شملت أكبر 15 شركة في أمريكا غيرت سياساتها التوظيفية باعتماد المهارات وتفضيلها على الشهادات العلمية بل اعتمدت شركة برايس ووتر هاوس كوبر على خريجي المدارس الثانوية في مجال المحاسبة والتحليل المالي وتقييم المخاطر، بعد تلقيهم الدورات التدريبية المناسبة وإثبات كفاءاتهم.
ومع ذلك أرى أن التغيير في النظرة للتوظيف بإحلال المهارات محل الشهادات، لا يمكن تطبيقه في الشرق الأوسط عمومًا والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، وذلك لعدة أسباب منطقية، منها أن بلدان العالم الأول مثل أمريكا هي دول منتجة للتكنولوجيا الحديثة وتسعى إلى رقمنة الحياة بشكل مذهل وتمتلك القدرة في تنمية المهارات والقدرات البشرية وتطويرها بما يتماشى وسرعة إيقاعها ونموها في المجالات المختلفة.
أما دول الشرق الأوسط فتعد دولاً مستهلكة للتكنولوجيا، ولم تبدأ بعد طور الابتكارات الرقمية التي تؤهل ذوي المهارات إلى الطموح المنشود، ولم تزل الحوجة ماسة في بلادنا إلى الكوادر والطاقات البشرية من حملة الشهادات العلمية والمتخصصين في المجالات المختلفة، كما أرى أن هناك تكاملاً وليس تعارض بين المهارات والشهادات العلمية التي نال حاملوها قدراً كبيراً من الدراسات النظرية وصقلتهم التجارب وتراكمت خبراتهم كل في مجاله.
ومع تسليمنا بالتوجه العام في الدول المتقدمة إلى رقمنة الحياة وتقديم المهارات وإعطائها أولوية على الشهادات العلمية، إلا أن ذلك أراه شبه مستحيل في الوقت الراهن لدواعي اقتصادية وثقافية واجتماعية، حيث إننا مجتمع تتجذر فيه ثقافة الوجاهة العلمية والاجتماعية والاقتصادية، فمن الصعوبة بمكان، إحداث تغيير وتحول نحو رقمنة الحياة واعتماد المهارات بدل الشهادات بضربة لازم في وقتنا الحاضر والمستقبل القريب...