إعداد - خالد حامد:
قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقامرة كبيرة في ليبيا تنذر بتغييرات مهمة في سياسات البحر الأبيض المتوسط.
لقد حاولت تركيا ليس فقط إظهار تصميمها على أن تصبح اللاعب المسيطر في شرق البحر الأبيض المتوسط، ولكن أيضًا على إظهار قدرتها العسكرية ومكانتها. قد يؤدي هذا السلوك إلى اندلاع أزمة أكثر عمقًا في منطقة الشرق الأوسط، وقد تمتد شمالاً نحو اليونان.
ألقى أردوغان بثقله من أجل دعم حكومة الوفاق وزودها بطائرات بدون طيار وقوات وسفن بحرية ونحو 15000 مرتزق سوري نقلتهم أنقرة إلى ليبيا جوًا وبحرًا.
رفضت حكومة الوفاق في اللحظة الأخيرة مبادرة وقف إطلاق النار التي أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأكدت أنها ستواصل القتال حتى تنجح في الاستيلاء على بلدات أخرى، بما في ذلك مدينة سرت الساحلية.
يجب النظر إلى مغامرة تركيا في ليبيا من منظورين:
أولاً، أبرمت حكومة الوفاق الوطني صفقة مع أنقرة حددت بموجبها مناطقها الاقتصادية الخاصة بها بطريقة تقسم البحر الأبيض المتوسط إلى قسمين. وتهدف تركيا من هذا الاتفاق إلى إعاقة الجهود التي تبذلها مصر وقبرص واليونان لتصدير الغاز الطبيعي، إما عبر خط أنابيب أو على متن سفن الغاز الطبيعي المسال، إلى أوروبا.
لقد تدخلت تركيا بقوة في جهود هذه الدول للتنقيب عن الغاز وتدعي أنقرة أن معظم المياه حول قبرص تنتمي فعليًا إلى تركيا أو إلى جمهورية شمال قبرص التركية التي تعترف بها تركيا فقط.
منذ اللحظة التي تولى فيها السلطة في عام 2003، سعى أردوغان إلى رفع دور تركيا الدولي إلى قوة إقليمية، إن لم يكن عالمية.
في البداية، كانت استراتيجيته هي «صفر مشكلات مع الجيران»، التي عملت على التأكيد على القوة الناعمة لتركيا. ولكن كان الدافع الأساسي، مع ذلك، هو رغبة تركيا في اتخاذ موقف المهيمن على الشرق الأوسط. ولكن تعثرت هذه السياسة ودفنت مع اندلاع ثورات الربيع العربي.
قامت تركيا باستبدال استراتيجية (صفر مشكلات) مع الجيران إلى موقف أكثر عدوانية يأخذ القتال إلى (الأعداء) من وجهة النظر التركية ويمكن أن يعني هذا أي شخص، لأن الأتراك يميلون إلى رؤية معظم البلدان على أنهم مصدر تهديد لهم، حتى لو كانوا حلفاء.
قبل أردوغان، اتبعت أنقرة استراتيجيات دفاعية. ولكن تحت حكم أردوغان، تدخلت تركيا في سوريا ومرة أخرى ضد الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة واحتلت القوات التركية وحلفاؤها من المقاتلين السوريين منطقتين كرديتين في شمال سوريا بهدف بناء منطقة عازلة خالية من الأكراد والسبب الوحيد لعدم اكتمال هذه المنطقة هو وجود قوة أمريكية صغيرة لا تزال تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية.
على الرغم من ذلك، وخلافًا لنصائح مساعديه، لم يعارض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أي وقت تحركات أردوغان في سوريا ضد الأكراد.
لكن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، من الواضح أن أردوغان قد تبنى الآن استراتيجية طورها ضباط الجيش القومي أطلق عليها اسم «الوطن الأزرق». كخطوة أولى، تسعى هذه الطريقة الجديدة إلى الهيمنة على بحر إيجه، ومعظم منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وتحقيقًا لهذا الهدف استثمرت تركيا في توسيع حجم وقوة أسطولها البحري.
لقد شاهدنا السلوك التركي في سوريا وليبيا بسبب عدم استعداد واشنطن وأوروبا للوقوف أمام أردوغان الذي شن مؤخرا ضربات جوية ضد الأكراد الأتراك والجماعات المرتبطة بهم في العراق وواصل أردوغان هذه التحركات بغزو بري في شمال العراق.
هناك خطران حقيقيان يهددان منطقة البحر المتوسط. الأول هو مواجهة عسكرية تركية محتملة مع اليونان، التي هي مثل تركيا عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام 1952.
يوضح مذهب (بلو هوماند) أن تركيا لا تعترف بترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى حول بحر إيجه وتطالب بالعديد من الجزر اليونانية.
وكانت هناك تلميحات تركية حول القيام بالتنقيب عن الغاز بالقرب من جزيرة كريت اليونانية.
بعد أن اكتسب أردوغان الثقة بعد ما حققه في سوريا وليبيا، فقد يقرر أن هذا هو الوقت المناسب لمنازلة اليونان، خاصة، بحسب اعتقاده، أن مثل هذا التوجه سيكون له مردود إيجابي على الساحة التركية الداخلية.
الخطر الثاني يكمن في ليبيا حيث لا تخفي تركيا رغبتها في إنشاء قاعدة بحرية وأخرى جوية على الأراضي الليبية. ولكن أي محاولة لتوسيع المنطقة الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق عن طريق التحرك نحو سرت والجفرة، يمكن أن تؤدي إلى رد فعل مصري سريع وقوي، ربما بدعم الروس.
الأوروبيون، وبخاصة الفرنسيون، قلقون من وجود أعداد كبيرة من المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا حيث لا تزال ذكرى الأعمال الإرهابية التي ارتكبت داخل فرنسا حاضرة في أذهان الفرنسيين، ناهيك عن المحاولات المستمرة لاحتواء أعمال التطرف في غرب إفريقيا. هناك أزمة جديدة في طور النمو، وما لم تبدأ واشنطن في الاهتمام بما يجري على الساحة الليبية، فقد تتحول تلك الأزمة إلى خلاف طويل الأمد يمكن تجنبه بالكامل.
** **
هنري باركي - أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي الأمريكية