الرياض - «الجزيرة»:
تؤكد معظم الدراسات النفسية أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل، والإنسان ذكرًا كان أو أنثى كتلة من المشاعر المتداخلة التي تتأثر بالتعامل الراقي والمهذب والقائم على الحب بين الزوجين.. إلا أن هذه العواطف الإنسانية السوية قد تتعكر وتدفع إلى ما أسماه الدكتور عزت عبد العظيم استشاري الأمراض النفسية بمستشفى الحمادي بالرياض في هذا الحوار باللجوء العاطفي أو الطلاق المشاعري.
وفيما يأتي نص الحوار:
* ما الذي يدفع أحد الأزواج للجوء العاطفي بعيدًا عن عش الزوجية؟
- هناك عوامل كثيرة، قد تدفع الزوج أو الزوجة للجوء العاطفي المحرم، أولها قلة أو انعدام الوازع الديني؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصحنا بزواج المتدينين؛ إذ قال: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»؛ لأن البر والحب بين الزوجين ينموان ويزدادان في قلوب المؤمنين، وكذلك الإخلاص والحب الصادق وعدم الخيانة الزوجية والعواطف الشريفة والعفة والشرف والطهر هي التي تحكم سلوك هؤلاء وطبائعهم؛ فلا نجد هذه العلاقات المشبوهة والخيانات الزوجية والانحرافات الجنسية والنزعات العاطفية. كما أن هناك أيضًا عوامل أخرى مهمة، هي وجود بعض الأمور السيئة في العلاقة الزوجية التي قد تغتال الحب من قلوب الأزواج أو الزوجات، وهي المشاجرات والخناقات الزوجية والخلافات المستمرة، أو قد نجد عدم اهتمام الزوج بزوجته، أو معاملتها بقسوة، وإهانتها وإذلالها دائمًا، وتركها باستمرار أغلب الوقت في المنزل، والسهر المستمر مع أصدقائه. أما الزوجة فربما تكون زوجة عصبية، سليطة اللسان، تتشاجر مع الزوج باستمرار، أو زوجة مبذرة ثرثارة، وكذلك لا تحاول الاهتمام بشكلها ومظهرها أمام الزوج، ولا تتجمل أمامه. كما أن انعدام الحب قد يكون نتيجة لعدم التوافق الاجتماعي أو الأدبي أو المادي بين الزوجين؛ وبالتالي يكون هناك فوارق بينهما، تُباعد القلوب والعقول، وتؤدي لقتل الحب من جانب أحد الطرفين أو كليهما؛ وبالتالي اللجوء لعاطفة بديلة خارج العلاقة الزوجية.
* أيهما أكثر احترامًا للعاطفة الزوجية الرجل أم المرأة؟
- إن معظم الدراسات النفسية تؤكد أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل، وهي إذا أحبت إنسانًا أخلصت له في حبها، وتفانت في إسعاده. وغالبًا تعتبر المرأة أكثر احترامًا وإخلاصًا في عواطفها الزوجية أكثر من الرجل الذي قد يحب أكثر من مرة، ويقوم بعمل علاقات عاطفية خارج نطاق الزوجية، ولكن هذا لا يمنع أيضًا أن هناك بعض الزوجات قد تقوم بعمل بعض أنواع العلاقات العاطفية أيضًا، وهذه الأمور لا يمكن إيجاد إحصائيات نفسية دقيقة لها، وخصوصًا في مجتمعاتنا الشرقية نظرًا لحساسية هذه الأمور السرية، والتكتم الشديد في مثل هذه العلاقات التي تدل على الانحلال الأخلاقي، التي قد تكون أكثر وضوحًا في المجتمعات الغربية، وتنتشر بمعدلات أكثر بكثير من مجتمعنا العربي الشرقي الذي لا يزال يتمسك بمبادئه الدينية وتقاليده العريقة.
* هل يؤثر الفارق العمري بين الزوجين في العاطفة؟ وهل هناك عوامل أخرى؟
- إن العاطفة المتبادلة بين الزوجين هي أسمى العواطف الإنسانية؛ لأن الحب المتبادل والمودة بين الزوجين والسكينة والرحمة هي ما يسعى إليه ويحتاج إليه كل طرف من الآخر، ويستطيع أن يوفره كل طرف من جهته. والحب عطاء متبادل (هات وخذ). وشجرة الحب تنمو وتترعرع إذا توافرت لها عوامل كثيرة كما قلنا قبل ذلك. ومن هذه العوامل: التوافق والتواؤم بين الزوجين، والراحة المتبادلة. ولكي يحدث هذا التوافق لا بد من توافر عناصر الألفة والتقارب بين الزوجين؛ وبالتالي فالفارق العمري الكبير بين الزوجين قد يؤدي لاختلاف وجهات النظر، والتباعد في الآراء، وقد يؤدي للنفور العاطفي، وخصوصًا الفارق الكبير في السن، وكذلك الفارق الاجتماعي والمادي والثقافي؛ لأن هذا قد يوجِد حواجز وسدودًا بين الزوجين؛ ولهذا من الأفضل أن يكون الزوجان متكافئَيْن سنيًّا واجتماعيًّا، من الطبقة الاجتماعية نفسها، والمستوى التعليمي نفسه؛ إذ إن فارق التعليم قد يجعل التفاهم والتواصل صعبًا بينهما؛ وبالتالي عدم إيجاد عواطف الحب، وكذلك الفارق الاجتماعي أيضًا.
* هناك من يقول إن الفضائيات أسهمت في اغتيال العاطفة، فهل هذا صحيح؟
- بالطبع، ليس فقط الفضائيات، ولكن أيضًا ما يسمى السماء المفتوحة، والعولمة، والإنترنت، ووسائل الاتصالات الحديثة.. كل هذه الأمور أحدثت خللاً في العلاقات الزوجية، وأوجدت أبوابًا ومجالات للمفسدة الزوجية والعلاقات الأسرية المستقرة مما يُعرض في الفضائيات من انحلال أخلاقي، واستعراض لموديلات الإعلانات، وفنانات الطرب والأغاني الهابطة، والأفلام والمسلسلات. والطامة الكبرى هي القنوات الإباحية التي تعرض الغانيات والفاتنات الساقطات والمومسات الماجنات، وما قد يشاهدها بعض الشباب غير الملتزم دينيًّا وأخلاقيًّا؛ وبالتالي وضع مقارنات ظالمة بين تلك الفئة من النساء وزوجاتهم، وتوهمهم الكاذب بجمال وسحر أولئك الفتيات اللاتي يستعملن الماكياج وأصناف الزينة والتبرج؛ وبالتالي قد توجد النفور والابتعاد العاطفي لدى الأزواج نتيجة للانبهار الزائف بهن رغم أنهن في الحقيقة أقبح وأعفن مما نراه أمامنا على الشاشة، وكلهن عيوب بالتأكيد على المحاور كافة.
وكذلك الإنترنت ووسائل الاتصالات والمعاكسات وعمل العلاقات العاطفية من خلال النت والتليفونات؛ وبالتالي تخريب العلاقات الزوجية المستقرة، أو حتى إن كانت بها بعض القصور فهذه الوسائل تفتح مجال الشيطان بدخول أي طرف آخر؛ ليستغل بعض نقاط الضعف، وعمل العلاقات العاطفية المشبوهة.
* ما مدى تأثير انعدام العواطف بين الزوجين على الأبناء؟
- مما لا شك فيه أن انعدام العواطف والحب بين الأزواج فيما يسمى بالطلاق العاطفي من الناحية النفسية يؤثر سلبيًّا على استقرار الأبناء نفسيًّا؛ لأن كثرة الشجار والخناقات الزوجية أو حتى النفور العاطفي بين الزوجين بدون مشاجرات تحت مرأى ومسمع الأبناء يصيبهم بالإحباط والاكتئاب النفسي لفقدان الدفء الأسري العاطفي والحب الذي يسود المنزل؛ وبالتالي الفشل الدراسي والانحرافات السلوكية، كالعدوانية واللجوء للمخدرات وأصدقاء السوء؛ وبالتالي ضياع أجيال المستقبل الذين هم أمل الأمة في مستقبل مشرق، ودخولهم دوامة الاضطراب النفسي إن عاجلاً أو آجلاً.
* ما هي أهم النصائح بخصوص هذه المشكلة؟
- قد نمنع اللجوء العاطفي إذا أحسنا الاختيار من البداية، وإذا أعطينا شريك حياتنا فقط كل عواطفنا ومشاعرنا، وأخلصنا له في الحب؛ وبالتالي سنجد الحب الصادق من جانبه في المقابل، وهو الذي يقي من كل هذه الانحرافات. وكذلك مراعاة الله في العلاقة الزوجية، والبُعد عن الفضائيات والإنترنت والتليفونات المشبوهة التي تفتح المجال، وتشغل البال، وتدمر الأسر، وتهز المجتمع. إن عملية تجديد الحب والمشاعر مطلوبة أيضًا من كلا الزوجين حتى تظل العلاقة الزوجية قوية فياضة، وحتى لا يلجأ أحد الأطراف للعواطف البديلة.
** **
- د. عزت عبدالعظيم