كوثر الأربش
منذ اخترع الإنسان الكتابة، قبل أربعة آلاف سنة، والمجتمع الإنساني دخل عصرًا جديدًا من عصور الحضارة، بحيث اعتبرت منعطفًا في حياة البشرية، وكانت الممهد الأول لنشوء الدول العصرية والأجهزة التخصصية بإرشيفاتها وقنوات اتصالاتها، حتى وصلنا للعصر الحديث ونشأت الصحافة وكتابة الرأي.
ومنذ صغري كانت الكتابة تجري في دمي، حيث أهدتني صديقة دفترًا ذا صفحات ملونة، فصرت أدون ملاحظاتي وما يخطر لي وقتئذ. لطالما كانت الكتابة شغفي ومساحة ألقي تحت فيئها ثقل ما أهمّني. وما زلت أذكر إشادة معلمة مادة التعبير في المرحلة المتوسطة، التي كان لها دور مهم في صقل قلمي واتجاهي للقراءة المتنوعة. وأذكر أيضًا تلك الملزمة التي كنت ألصق فيها قصاصات الجرائد مما يروقني من أخبار أو مقالات أو قصائد. وثم أكتب ملاحظاتي على هوامشها بالأقلام الملونة..
بعد أعوام مرت.. ما بين كتابة الشعر والقصة القصيرة، ومشاركات في المشهد الثقافي السعودي، سواء في الأندية الأدبية أو المشاركات الخارجية، وبعد إصدار أول كتاب لي عام 2010، كتبت أول مقال عام 2012 وأرسلته لبريد رئيس التحرير في جريدة الجزيرة، وكانت نيتي أن ينشر في صفحة القراء وقتئذ، لكنني تفاجأت بالرد من مكتب الأستاذ خالد المالك، وكان يومًا مفصليًا في مسيرتي الثقافية، ما زلت أذكر تلك اللحظة حين أخبروني بتخصيص عمود صحفي لي، ثم طلبوا مني اختيار اسم لعمودي الصحفي!
وقد تشرفت بأن أكون إحدى كاتبات الرأي في وطننا الحبيب منذ عام 2012، حيث احتضنت قلمي جريدة الجزيرة العريقة، وكان لها الفضل -بعد الله- للوصول للقارئ الكريم.
وقد استمررت بالكتابة لثماني سنوات في عمودي الأسبوعي، الذي اخترته اقتباسًا من سورة يوسف، التي كنت أستمع لها، أثناء تفكيري في عنوان لعمودي الصحفي، وإذا بصوت القارئ: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فكان اسم عمودي الصحفي: «إني أرى».
وفي منتصف 2019 تراكمت عليَّ بعض الانشغالات، مما حداني للقلق، بأن أكتب ما يليق بالقارئ الكريم، في خضم تلك الظروف الصعبة التي مررت بها. فتذكرت مقولة بنجامين فرانكلين: «إما أن تكتب شيئًا يستحق القراءة، أو تفعل شيئًا يستحق الكتابة» فاخترت الثانية، وتوقفت عن الكتابة مؤقتًا. وقد يسر الله الظروف مجددًا، وأنهيت الكثير من الأعمال، وها أنا أعود لكم.. متحملة مسؤولية الكتابة بما يرضي الله، وضميري وما يمثل القارئ بإذن الله.