د. حسن بن فهد الهويمل
العَمَلُ عملان: عمل يخصك، وآخر يتعدَّاك، وكل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها. ومهاجر (أم قيس) خير مثال على تحكُّم النوايا، وتخلف الأعمال.
ودعك من الوجوه العاملة الناصبة، التي تصلى ناراً حامية. ودعك من الأعمال الكثيرة التي تكون في النهاية هباء منثوراً.
ودعك ممن قاتل حَمِيَّةً، أو لكسبٍ، أو ليقال بأنه شجاع، وقد قيل، فزج به في النار.
ودعك من كل عمل لا تحكمه نيَّة نقية، ولا قيم أخلاقية، لا تريد بعملها إلا وجه الله، والدار الآخرة.
الله طيب لا يقبل إلا عملاً خالصاً طيباً، فهو جل وعلا لا ينظر إلى الصور، ولا إلى كثرة الأعمال، وإنما ينظر إلى نقاء النوايا، وصفاء المقاصد:
{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور}. {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِر}. {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}.{لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ}.
يُخدْعُ الناس بالمظاهر، وتعظم في العيون الأشكال، وفي الآخرة ينكشف زيف الحياة.
إن على العاقل أن يُخْلِص العمل، وأن يحسن النية، وأن يحذر الشرك الأخفى من دبيب النمل، وعليه ألَّا يباهي بما يعمل: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
لقد خاف الرسول على أمته من الشرك الخفي. يتلبس العبد الصالح بالعمل مخلصاً، ثم يعرض له (الرياء)، فيحبط الله عمله.
يُقال مثل هذا التحذير على مستوى العمل الخاص بالإنسان، فكيف بعمل يتعدى نفعه، أو ضرره للآخرين.
هذه الأوضاع السائدة المؤلمة في عالمنا المأزوم من خوف، وجوع، وقتل، وتشريد، واختلال أمن.
- من فعلها بأمتنا المغلوبة على أمرها؟
إنه فعل فاعل مع سبق الإصرار، وهو مرصود بكل دقة: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}. إنه عمل غير صالح، وسوف يُسأل كل من أسهم ولو بـ(كلمة) جائرة، أو سكت عن حق أبلج، وهو قادر على أن يقول كلمة الحق، دون إلحاق ضرر بنفسه، لا يطيقه، أو ضرر بأمته، لا تحتمله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. وفي الأثر (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها). = (تاريخ قزوين) أو أيد فعلاً ضرره أكبر من نفعه.
كل ما نراه، ونسمعه ناتج أعمال مارسها مكلفون مدركون لحجم الضرر، وتعدية، لا تحكمها نوايا حسنة، ولا ضوابط أخلاقية معتبرة، ولا نوازع إنسانية مُتقبَّلَة: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}.
سنن التدافع، والتداول لا تحمل المتصارعين على القتل المجاني الهمجي، والتدمير الوحشي، والتشريد الجائر، القتال للدَّفع، وليس للإبادة.
ممارسات وحشية، يُقتل فيها الأبرياء، ويشرد الآمنون في سبيل مصالح لا يد لهم بمنعها، أو في جلبها.
لا أحد يستبعد صراع المصالح، ولا أحد يقر ما يتعرض له الأطفال الرضع، والشيوخ الركع.
لو عرف الفاعلون الأشد قسوة من الحجارة، كم أدَّى فعلهم من المنكرات، وكم خَلَّف من المصائب، لحاسبوا أنفسهم، وقوَّموا أعمالهم، واتقوا فتناً عمَّت، وأهلكت الحرث، والنسل.
إذا كان اللفظ يراقب: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد}.
- فكيف حال الفعل الذي يدمر كلَّ شيءٍ أتى عليه؟. القول الجائر الكاذب يجهز للجريمة، والفعل تنفيذ لها.
لو صحت النوايا، لنامت الفتن. ولو حسنت المقاصد، لعاش المغلوب على أمره عيشة الكفاف، لا يخاف ظلماً، ولا هَضْما.
عندما تستحكم حلقات الفتن، يجب التخلي عن الانتماء (الأيديولوجي)، والتفاخر القومي، والتقوقع القُطْرِي، والجنوح إلى الانتماء الإنساني، وذلك أضعف طرق الخلاص.
الأسُود الضارية في الغابات، لا يأكل بعضها بعضاً، وكأن بينها ميثاق صدق، وعهد شرف. الإنسان الخاسر، لا يردعه عن الاعتداء، إلا القوة:
والظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النَّفُوسِ فَإن تَجِدْ ... ذَا عِفَّةٍ فلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ
والخوف من العواقب الوخيمة بعض تلك (العلة المانعة). البعض يخالف دعوى (المتنبي) تعويلاً على الفطرة التي فطر الناس عليها، وهي الخيرية، والحق أن الإنسانية المجردة من الكمال مجال ذم، فكلمة (إنسان) في القرآن تأتي في سياق الذم.
{إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر}. {قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَه}. {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}. {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى}.
اللهم أعذنا من التوحش، وقنا مضلات الفتن، وارزقنا صلاح النوايا، وسلامة المقاصد.