مرام فهد المشاري
هذه السطور لن يعيها إلا قلة، قلة يظنون أنهم لوحدهم، قلة لا يمكن لشيء أن يثبط هممهم، بعيداً عن المبالغة، المتغلبون على القولون العصبي (ولاحظ بأني قلت المتغلبون لا مرضاه عامة) هم أبطال حقيقيون جسدوا بطولاتهم على ذواتهم، لم يكن العدو أمامهم بل بداخلهم في أوساط أجسادهم، القولون العصبي أو متلازمة القولون المتهيج باتت تصنف كأحد أمراض العصر المتفشية، أعداد كبيرة تفشل في المواجهة فتجد بعضهم أسيراً للشكوى والألم والبعض الآخر تعج بهم ممرات العيادات، وبعضهم لن ينجوا من المرض.
وهؤلاء لا يمكن لشيء أن يهزمهم، هم من هزموا أنفسهم وأبطلوا عداد الألم، ولم يستسلموا لذلك الوهن الفظيع الذي يصعب شرحه، من دفعوا ثمن تدفق أفكارهم بنجاح، من نالوا من سياط انفعالاتهم، هم حقاً من سيقاومون معارك الواقع ولن يستسلموا لتشنجات الظروف واختناق الأجواء، من يجيدون التحكم بحجيرات عقولهم، ويلعبون مع سياط آلامهم لعبة الأبواب المغلقة، ويتخفون من مكان لآخر عنها، أجادوا التنكر أمام أنفسهم، فكيف بشخص آخر يحاول أن يغلبهم!
المنتصرون على القولون الذين أجادوا هزيمته نفسياً قبل أي شيء آخر، سيصعب على الجميع مجاراتهم بالقدرة على الاحتمال، بالركض خلف الأهداف، بالبحث عن البدائل أمام مشاكل الحياة، قد يظن الكثير أن ما كتبته من محض الخيال، لكن هم سيقرأون ما كتبت ومشاعرهم تستفيض تصديقاً وتستنفر تذكراً..
من توارت آلامهم بجوار دوائها في العمق يعرفون حتماً كيف يصارعون الأزمات، وكيف يتخطون الحواجز، ويتبرأون من انتظار المساعدة التي لن تقطع دابر الوجع أبداً ولو أسكنته..!
تعايشوا مع المرض وأعادوا وزنيات الأمور في جداول حياتهم، في الحقيقة أن تهزم شيئاً بداخلك وتفصله عنك بجهد عقلي وحيلة نفسية ليس بالأمر السهل، أن تتظاهر بالفصام على نفسك وكأنك شخص آخر لتنسى ما تشعر به، فتلك ليست تمثيلية مسرحية، بل قوة جبارة يصعب وصفها.. عزيزي القارئ: إن لم تكن بفضل الله أحد المصابين فلتعلم أيضاً قبل أن تستشعر مغالاتي في الأمر أن مضادات الاكتئاب قد تدخل في علاج بعض الحالات، ولو بنسب قليلة، ذلك لما يسببه هذا الألم الجسدي من آلام نفسية مؤذية قد تعيق سير أيامك الطبيعي، فساهم بالدعم النفسي لأي قريب يعاني من حولك، ولا تبخل بكلمات إيجابية قد تمنحه دفعة أمل للأمام، أو لعلها تزيح غمامة سوداء استوطنت ذهنه، احذر أن توتر أو تغضب عزيزاً عليك لا تعلم عمّا قد يعانيه مع القولون العصبي بعدها، تلك بحد ذاتها معاناة تهديها لمن تحب ولو كانت دون قصد، لا تدع أحدهم يندم على اقتسامه أغلى ما يملك معك ألا وهي مشاعره، وأصدقكم القول إني من خلال المعاناة أيقنت أن الألم ولو كان كريهاً هو الطريق الذي تمسكه بيدك وتضعه على أي أرض جرداء لتسلك به أي اتجاه تريد.. هو ما يدفعك لإخراج أفضل ما فيك لتهرب إلى مكان أبعد تتنفس فيه السلام، هو ما يمنحك البصيرة النافذة للمضي بعد أن أعاد تهيئتك، تذكر دائماً بأن الألم (ورقة الجوكر) لمن أحسن استخدامها.. الألم لا يقتل دائماً! بل ربما يمنحك حياة أخرى وروحاً جديدة بشرط أن ترغب أنت بذلك.. أنت المفتاح الحقيقي للتغيير المحمود في حياتك.