عبدالمحسن بن علي المطلق
لا أدري وهو يخبرني بوفاة أمه، كيف هي حاله، ثم كيف أعزيه؟!
وهو (المغترب) الذي لا أراه إلا باسماً ذا مؤانسة، فقلما تقرأ في ملامحة أثقال الغربة والبعد عن الدار.. أو الأهل والخلان، وقد شطّ به النوى عنهم من عقد من السنين وأكثر..
ولهذا قيل أكبر جلد ذاك الذي يبتسم لك وفي أعماقه جراح تنزف كذا هو أخي الذي يشاركني -طباعة- معظم أعمالي ويتحمّل جراء ذلك أثقالي (شوقي عبدالعزيز) -أبا يوسف-.. أسدي لك/
إني أشاطرك المصاب والدمع غلاب..
فالألم أعرف أنه جد ثقيل، لكن حسبك أن ربنا التواب.. قال (لكل أجل كتاب).
كما يكفيك أنك بعيد بلا اختيار منك، فهذا لعمري نوع من (البلاء المبين) تبعاته وأتعابه.. أيضا ولهذا فأبشر بمضاعفة الأجر عند من أمر بالصبر، ووعد من أخذ بخطامه أن جزاءه عنده (بغير حساب)، أي مثوبته له كالماء المنهمر فهو قليل الشكوى خجول النجوى، يبدي لك رضاه برغم الضغن من ظروفه، قبيل سنة ونيف من الأشهر ودّع أباه عن بُعد -بالغربة- واليوم الأمر ينسحب على ما هو أكبر الام..!
فبربكم هل تستحق الدنيا أن يقضي المرء وطرًا من عمره مُلاحقًا أتعابها وماضيًا إثر تبعاتها.. التي يمضي وطرًا من شرخ عمره لأجل لقمة العيش.. هو بعيد المزار غريب مع (المكان): الوجه واليد.. فقط، وأما اللسان.. فالحمد للِه أنه في دولة هي الأم للعرب.
أحسب بل أحس بأوجاعه، من أن/
لا أنيس مكافئ ولا ونيس يحمل تراكم أحوال ما يلفاه، سواء من الاغتراب، أو كدّ ألجأه لهذا البين...
ولعل حديث (لدنيا يصيبها) لا ليتوسّع.. ولكن عساه يجد أدنى ما يقيم عودها ويجدد في طُرق الحياة مما بجمع وأمله بيوم يمتع من حوله، فما الحال ومن حوله كل يوم يثخن جرح غربته رحيل أحدهم.
فلكم الله أيها الغرباء وإن كنتم بأعطاف بلدكم الثانية.. إذ ليست بعيدة الأجواء عن دياركم، وكذلك محفيون بمن همُ لكم كأهلكم..
ف..
رحم الله أمك، وجمعها بأبيك عنده.. مع {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} (القمر: 54) هناك... {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر: 55).