الهادي التليلي
إحداث هيئة عامة للموسيقى ليس بالأمر الهين العادي أو الخبر البسيط الذي يمر عليه المرء مرور الكرام مثل أي خبر إنه حدث ينقش في الذاكرة الجماعية وإيذاناً بتحول مجتمعي نحو مملكة الغد التي بشرت بها الرؤية المجتمعية 2030.
الموسيقى والتي تعتبر نبض الشعوب ومحرار نمو حسها الفني والجمالي وهي أيضاً تمثل بالنسبة للشعوب إيقاعها الإبداعي السعودي التي قدمت للمشهد الموسيقي العربي والعالمي عديد الأسماء منها محمد عبده وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد ورابح صقر وراشد فارس وأصيل أبو بكر وغيرهم.
هيئة الموسيقى إن كانت ككيان تعد جديدة وحدثا يسجل في ذاكرة وتاريخ هذا الشعب العظيم فإن الموسيقى ليست جديدة على المجتمع السعودي الذواق للإيقاع وصاحب الإرث الموسيقي الشعبي العريق فنجد تركة هامة تؤثثها العرضة والشيلة كما استطاعت الموسيقى الشعبية أن توثق للمعارك التي استطاع فيها العربي الدفاع عن راية العروبة أمام الأخطار الفارسية وغيرها.. المخزون الموسيقي السعودي ثري ويحتاج فقط لدراسات وتوظيف حضاري وثقافي فجنود الفن دورهم لا يقل قيمة عن جنود الميدان حيث يحارب جنود الميدان أعداء الحاضر بينما يقوم جنود الفن بمحاربة أعداء الماضي والحاضر والمستقبل ويخلد أجمل ردهات الآن ويجعل ديمومته عابرة للأزمنة.
وحتى تنجح تجربة وتحدي هذا الحدث التاريخي والحضاري الهام لابد لهذا الهيكل من أن يتجاوز الدور المعلن عنه أي تأسيس صناعة احترافية للفنون الموسيقية وتوفير التراخيص للأنشطة ذات العلاقة وإنشاء قاعدة بيانات لقطاع الموسيقى في السعودية إلى ما هو أعمق أي غرس ثقافة موسيقية في المجتمع وتركيز تربية موسيقية على غرار قول جان جاك روسو «قبل الحديث عن أي شيء ربيني كي أتقبل كل شيء» لأنه حتى نبني صناعة للموسيقى لابد أن نبني ثقافة وتعليم الموسيقى ومن هنا نرى من خلال تجربتنا المتواضعة التحرك الهيكلي لنجاح هيئة الموسيقى يكون على ست سياقات ضماناً لجدوى وديمومة الفعل الموسيقي فالسياق الأول إنشاء «كنسرفتوارات» في كل المحافظات وهي معاهد تكوين موسيقي تعمل مساء وتكون مختلف الأجيال في تعليم الموسيقى وينهي المتكون دراسته بالحصول على ديبلوم في المهن الموسيقية تكون له عوناً في سوق الشغل من ناحية وأساس علمي لممارسته الموسيقية يسمح الديبلوم بالتدريس الموسيقي في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية.
السياق الثاني دمج المادة الموسيقية كمادة إجبارية في التعليم الابتدائي وميزة دمج الموسيقى في التعليم مهمة جدا حيث توفر أكبر قاعدة لمتعلمي المادة الموسيقية وتوفر فرصة لتعلم الموسيقى للجميع خاصة إذا علمنا أن المدارس تكون فرقا موسيقية للتلاميذ وبعدها مهرجانات مدرسية إلى غير ذلك فصابر الرباعي انطلق من المدرسة ومن تخت المدرسة وغيره كثيرون..
السياق الثالث تنظيم امتحانات وطنية لشهادات الاحتراف تخص غير المتحصلين على شهادات علمية في الاختصاص تنظيما للقطاع وممارسة لديمقراطية الفعل الموسيقي ودعما للموسيقيين العصاميين.
السياق الرابع إنشاء معاهد عليا وكليات موسيقى في إطار مجال عمل التعليم العالي تمكن الدارسين من شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في مجال علوم الموسيقى وبذلك نكون كوادر مستقبلية عالية المستوى لتكوين الأجيال القادمة في المجال.
السياق الخامس إنشاء تخوت وفرق رسمية للموسيقى في كل الجهات هذه الفرق هي من تؤثث المهرجانات والاحتفاليات للمدينة وهي السفير الموسيقي للمنطقة في كل العالم من خلال المشاركات في المهرجانات الخارجية والأسابيع الثقافية الدولية.
السياق الخامس تكفل الهيئة بتنظيم مهرجانات دولية ومحلية في المناطق الكبرى ومختلف الجهات كسوق دائمة لممارسة الموسيقى.
السياق السادس إنشاء صندوق دعم الإنتاجات الموسيقية تحت إشراف الهيئة يدعم إنتاج الأعمال الموسيقية والتسويق لها.
السياقات الست لبناء مسار نجاح عمل الهيئة كما نراه هو في الحقيقة خارطة طريق لنجاح خيار في الحقيقة سيكون له أثر عظيم على ممارسة الفعل الموسيقي ونشر ثقافته كما سيكون فاعلا مهما في التنمية الاقتصادية والثقافية لأن الموسيقى وصناعتها باب هام من أبواب التنمية الثقافية والاقتصادية.