عطية محمد عطية عقيلان
نرتبط بمجموعة من الأصدقاء والزملاء في مختلف حياتنا أثناء الدراسة والعمل والسفر، وفي كل محنة أو شدة أو حاجة تكتشف معادنهم وصفاتهم، ويبقى معك أصحاب المعادن الذهبية دون تغير أو تبدل، وبمجرد سماع أصواتهم تتحسن أمورك إلى الأفضل؛ يقدمون الدعم المعنوي بلا حدود، والدعم المادي عند الطلب.. تستأنس برأيهم الذي ينبع بكثير من الحب وقدر من العقل والحكمة.. نحتاج إليهم في حياتنا؛ ليضيئوا لنا العتمة في بعض دروب ومراحل الحياة.
المشكلة أن العلاقات الذهبية طالها الغش التجاري، وانطبق عليها الدرجات في صعوبة مقارنتها بالذهب الأصلي، بل إن بعضها متقن وجذاب، وأصبح أكثر جمالاً ولمعانًا من الأصلي. مشكلته أنه عند اكتشافه ينطفئ بريقه، ويظهر على حقيقته حسب المكانة والمرحلة التي تمرّ بها.
فهناك مَن يكتشف الغش بمجرد تقاعده من المنصب أو المسؤولية مباشرة؛ ويظهر جفاء وانقطاع كثير من علاقاته بموظفيه؛ ليكتشف أنهم أصدقاء مزيفون، حتى ولو ساعدهم بالوظيفة، بل أحيانًا يتحولون إلى أعداء ومروجي إشاعات عن سوء إدارته، ويقومون بالتشكيك في ذمته المالية.
وهناك من يلبس قشرة ذهبية خلال شراكتك معه، وبمجرد كثرة الأرباح أو الخسائر تزول هذه الطبقة؛ ليعود حديدًا صدئًا، لا ينفع، بل يكون ضارًّا وسامًّا.
وذاك محاط بمئات الأصدقاء والأصحاب؛ لأن تجارته مستمرة، ويقدم دعمه المادي والخدمي لهم، وبمجرد توقُّف أو انقطاع ذلك يعودون إلى معدنهم الخشبي الأصلي، مع الفرق؛ إذ إنهم لا يفيدون وقت الغرق.
وهناك مَن يبادلك الصداقة والود، ويكنّ لك الحب، وعند التعامل المادي، أو السفر، أو تولي منصب، أو ثراء، أو طلب خدمة يقدر عليها، تتبدل أحواله، وينكشف معدنه الحقيقي بأنها علاقة فقط وقت الرخاء، ولا تتعدي تمضية أوقات.
طبعًا أغلب الاكتشافات تكون متأخرة، ومن الصعب تعويضها، إلا أنها تعيد لنا في الذاكرة دومًا مقولة (ما كل ما يلمع ذهبًا). ونندم على التناسي أو التجاهل أو الابتعاد عن أصدقاء حقيقيين، معدنهم ذهب خالص، لكن عيبهم أنهم لا يلمعون، وليس لهم بريق خاطف، يؤمنون بالصداقة الخالصة النابعة من حب وتقدير حقيقي، يهبُّون لخدمتك، ويفرحون بسعادتك، ويؤلمهم ما تمرّ به من ضيق أو مرض أو حاجة.. فلنتمسك بهم، ونعض عليهم بالنواجذ؛ فهم ثروة، تزيد مع الأيام والسنين؛ فاحرص على أن تكون ناصرًا لهم، وأن تتلمس الأعذار لهم، ولتصلح تقصيرك معهم بمزيد من السلام والتصالح والتغافل.. وكن لينًا هينًا في تعاملك معهم، ولا تغتر بكثرة التصفيق أو الإشادة بالحكمة والذكاء وحسن الإدارة وقوة الشخصية والكرم وكثرة الضيوف.. وكما يقال «الكيّس مَن اتعظ بغيره».
وأختم كلامي بنكتة تُروى بأشكال عدة، مفادها أن هناك مجموعة من زملاء العمل، كانوا يجتمعون في استراحة نهاية كل أسبوع، وكان مدير الشركة مشهورًا بخفة دمه، ويُلقي النكت المسلية. وفي إحدى الليالي قال نكتة فضحك الجميع إلا أحد الموظفين؛ فتعجب المدير منه، وقال: الظاهر أنك ما فهمت النكتة. فقال: إلا فهمتها، ولكنني تقاعدت اليوم.