تأخذ عملية التجديد والتطوير ومواكبة المتغيرات في جميع المجالات حيزاً كبيراً من اهتمامات الدول، فمسيرة الدول كماهي الحياة تتأثر وتستجيب للمتغيرات المحيطة بها..
التعليم أصبح واحداً من الأنظمة التفاعلية المفتوحة ذات المرونة والديناميكية المتغيرة باستمرار، فلم تعد المعارف والعلوم والتخصصات ثابتة جامدة كما كانت من قبل بل أصبحنا كل يوم نجد علماً جديداً أو تخصصاً مستحدثاً تطلبته الحاجة..
وعلى إثر ذلك أصبحت عملية التحسين والتطوير المستدام أمراً استراتيجياً يحقق أهدافاً متقدمة، استمراراً للجهود الحثيثة في تطوير التعليم العام ورفع كفاءة منظومته وفق رؤية 2030 أطلقت وزارة التعليم مؤخراً مشروعاً نوعياً يخلق مساحات جديدة من علوم العصر وأفكار المستقبل وهو مشروع «مسارات الثانوية والأكاديميات» يهدف هذا المشرع النوعي إلى إعداد جيل متعلم معد للحياة مؤهل للعمل قادر على مواصلة تعليمه.
جاء المشروع متسقاً ومنسجماً مع رؤية المملكة 2030 في تحسين مخرجات التعليم الأساسية وتوفير معارف نوعية للمتميزين، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وزيادة معدلات التوظيف، كما يلبي المشروع احتياجات التنمية الوطنية المستقبلية، ومهارات القرن الحادي والعشرين.
وقد رأى القائمون على التعليم أن من أهم أسباب إيجاد هذا المشروع هو وجود فاقد تعليمي يصل من 3-4 سنوات مع انخفاض أداء الطلاب في الاختبارات الوطنية والدولية وقبول 72% في تخصصات نظرية في الجامعات، واستهداف إلغاء الحاجة إلى السنة التحضيرية مع اختصار رحلة التحضير لسوق العمل والجامعة.
ومضمون المسارات - بشكل مختصر- يتمثل في دراسة طلاب الصف الأول الثانوي مواد مشتركة وإعداد عام، يتم فيها الفرز والقياس والتوجيه..
السنة الثانية والثالثة يتوجه الطلاب إلى أحد مسارين:
الأول: مسار شرعي - إدارة أعمال - مسار إنساني عام.
الثاني: مسار علمي عام - علوم حاسب وهندسة - علوم صحية وحياة.
هذه المسارات ستنقل طلاب المرحلة الثانوية إلى عالم معرفة جديد يناسب طموحاتهم وقدراتهم ويلبي احتياجاتهم.
فالتخصص المبكر يجعل الطالب أكثر تركيزاً وقدرة على استيعاب تخصصه وبالتالي رسم مستقبله بيده واعتماده على نفسه في وقت مبكر، أيضاً تعدد المسارات يتيح للطالب الخيارات التي يحتاجها وسوف تؤدي إلى تحفيزه وزيادة اهتمامه مما يجعل مستقبله واضحاً ومفتوحاً وزاهراً..
كل هذه المخرجات سيعبر فيها الطالب المرحلة الجامعية بكل يسر وسهولة بعد أن تأهل نظريا وعلميا وسيجد له مكاناً فسيحاً مزدهراً في سوق العمل وسترتفع معها نسبة توطين التوظيف ملبية احتياجات التنمية بسواعد من أبناء الوطن..
مع هذه المسارات المبشرة بمستقبل زاهر وتطور نوعي في التعليم الثانوي، فقد باتت الضرورة ملحة لمراجعة التشكيلات المدرسية لمدارس التعليم العام وتطويره مواكبة لهذه النقلة - بدءاً بالمرحلة الثانوية -.
فمعلوم أن من أكبر التحديات التي تواجهها المرحلة الثانوية هي إعداد الطلاب للمرحلة الجامعية أو الحياة المهنية، وتستطيع هذه المدارس مواجهة جميع التحديات من خلال بيئة مدرسية جاذبة تتمتع جميع مكوناتها بقدركاف من الأهلية والعمل التكاملي المؤدي للنجاح، ومن أهم مقومات وعوامل هذا النجاح تواجد هيكل تنظيمي متوازن يجعل المدرسة أكثر احترافية وأقل أخطاء وأسرع تحقيقا للأهداف.
فأصبح دعم هذه المرحلة بكوادر مؤهلة أمرا ضروريا وحتميا، وليس شرطاً أن تستقطب هذه الكوادر من خارج الميدان التعليمي، فالميدان مليء بالمتميزين المؤهلين لمثل هذه الأعمال، احتياجهم فقط تدريب وتأهيل نوعي لسد هذه الاحتياجات التي أرى أن من أبرزها:
1 - أخصائي مهني:
ويكون من ذوي الخبرات المهنية والعلمية ملم بمتطلبات سوق العمل وعلى تواصل مستمر مع المحيط المهني الخارجي، طبيعة دوره مستشار مهني للطلاب في تحديد تخصصاتهم العلمية وتذليل العقبات والصعوبات التي يواجهونها.
2 - أمين خدمات مدرسية:
يعمل عمل وكيل المدرسة للشؤون المدرسية ويتم معها (إلغاء مسمى وكالة المدرسة للشؤون المدرسية) لأن أعمالها لاتحتاج لمتخصص تربوي بقدر احتياجها لشخص ملم بالشؤون المدرسية المساندة مثل متابعة الصيانة والنظافة والمقصف وتجهيز الكتب والمختبرات وغيرها من المهام المناطة لوكيل الشؤون المدرسية.
3 - فني تقنية:
أصبحت التقنية جزءاً مهماً ومفصلياً في عملية التعليم والتعلم، فبذلك أصبح وجود فني تقنية ضرورة حتمية لمعالجة وحل جميع مشاكل المدرسة المتعلقة بالاتصال والشبكات وصيانة الأجهزة مما يوفر الجهد والوقت.
4 - مراقب:
لكل 300 طالب مراقب مهمته الإشراف على دخول وخروج الطلاب من الفصل والمدرسة واستقبال الزوار من أولياء الأمور والمشرفين وغيرهم والتأكد من علاقتهم بالمدرسة يكون تحت مسؤولية وكيل شؤون الطلاب.
وبإيجاد هذه الكوادر من داخل الميدان التعليمي ستتحول معها المدارس إلى مؤسسات تعليمية تعمل باحترافية أفضل وإنتاجية أكثر.
** **
صالح الناصر العُمري - قائد تربوي