د. خيرية السقاف
مذ لثغة الحرف وقبل أن تستوي الكلمات جُمَلا على اللسان؛
كان لخربشة القلم مناجاتها الباعثة..
كان للكلمات صوتها الضَّاج عمقاً وإن لم تكن تفقه مقاصده حينذاك مدارك من حول..
حتى استوت الكلمات حروفاً تجتمع بها المعاني،
وتقول ما في النفس..
مذ ذاك، وهذه الحروف بساتيني، وظلالي، مجاديفي وأمواج نهري،
تربية كفي، ولمعة بهجتي..
ضميري الذي لا ينكسر، وأحلامي التي لا تنحني..
المضمار كلما كرَّت الكلمات مذ ذاك لا ارتداد..
مساره اتجاهٌ واحدٌ لا اعوجاج، ولا نزول!!..
ما صمتَ الشغف أبداً..
تتشكل الكلمات لقيمات حتى أطعمهن القراطيسَ!!..
تشاغب اللحظات، والسانحات، وتأخذ بتلابيب الوقت في خلواته، وامتلاءاته!!..
ما كنت لحظةً أقوى أن أمرق عنها دون تدوينها في قصاصة وإن وجدتها قطعة أديم من نسيج ورق، أو قماش، أو حتى باطن كفي!!..
رحلة طويلة مع شغف هذه الحروف..
أبجدية شكلتْ كلَّ صوتٍ، وهيكلت كلَّ معنى، وترسبت لتكون كيان الروح،
والضمير، واللمحة، والحس ومكنونها..
هذا الشغف البتولي سرمديٌ حتى النفق المفضي لاتجاه الزفرة الأخيرة!!..
لذا فإن الأيام التي مرقت غبت فيها عنكم لم يكن ليهدأ، ولا ليفتر فيها هذا الشغف،
بل لم يصمت..
إنه يقلقني حتى في لحظة فقد حزين، أو هلع مقلق، أو انشغالات ملزمة،
أو في هدوء إبحار فكرة لطارئٍ حلت به «جائحة» غيرت مسار التعود،
أو أسبغت موجبات التغيير..!!
إنها المرة الطارئة أغيِّب عنكم قرائي الأعزاء شغف الكلمات، وأذهب به نحو الغياب وهو لم يصمت، ويتبدى لكم أنه قد فتر وهو يضج..
شهران وثالثٌ لم ألتقِ بكم في أيامها قرائي الأعزاء،
«طال الغياب»، قلتم عن مختلف الوسائل التي واصلتموني عنها..
و«هلَّ الإياب» اليوم أقول لكم بكل الامتنان، والود..
سألتقيكم هنا كل «جمعة»، و«ثلاثاء» فوق أديم «الجزيرة» العريقة..
لعلنا نسمع بعضنا، ونواصل شغف الكلمات حين هي؛
السفينة والبحر، المدى والنهر..
وذلك البرق في غياهب الفراغ الذي يحيط كائنات الكون في سرمدية الوفاء، بين البقاء، والفناء!!..
طابت لكم كل اللحظات..
ونلتقي فيما، ولما هو آت..