د. محمد بن عبدالله آل عمرو
ورد في جريدة المدينة بتاريخ 4 يوليو 2020م أن وزارة التعليم وفق تقرير رسمي قررت إجراء هيكلة شاملة لإدارات التعليم والمدارس تتضمن العودة إلى نظام معلم صف بدلاً من التخصص، وإنشاء مجمعات كبيرة لخدمة القرى والهجر، ورفع مهارات المعلم لتدريس أكثر من مادة، وإعادة تصميم التشكيلات المدرسية الحالية... إلخ الخبر.
وأود بداية أن أشيد بالدعم السخي الذي يحظى به قطاع التعليم والتدريب وتنمية الموارد البشرية من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين الذي مكّنَ المملكة العربية السعودية من تصدر المركز الأول على مستوى العالم في إجمالي الإنفاق على التعليم، وفي نمو القوى العاملة الماهرة، حسب تقرير مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD حسبما ورد في جريدة عكاظ الصادرة في 04 نوفمبر 2019م.
و يشير هذا الدعم الكبير إلى أن الدولة تسير على استراتيجية واضحة وراسخة في اهتمامها بالتعليم منذ أن وضعت أول نظام للتعليم سنة 1344هـ باعتباره أداتها الأهم في استثمار أثمن مواردها غير الناضبة «الطاقة البشرية».
غير أن هناك بعض المؤشرات التي تدل على ضعف مخرجات التعليم مقارنة بمثيلاتها في بعض دول العالم، كما أن هناك مؤشرات تدل على وجود خلل في اختيار وتكوين وتطوير المعلمين، وهذا ما أشارت إليه الوزارة في تقريرها «الإطار العام لتطوير برامج إعداد المعلم في الجامعات السعودية».
والحقيقة أن ما تضمنه التقرير عن رؤية الوزارة حول تطوير برامج إعداد المعلم في الجامعات السعودية في ضوء رؤية المملكة 2030 يعد نقلة حقيقية غير مسبوقة في تكوين المعلم السعودي، فقد تضمن التقرير توجه الوزارة لتنفيذ تسعة برامج تشمل تكوين المعلمات والمعلمين في جميع المراحل من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، وبعضها برامج تكاملية، وبعضها الآخر برامج تتابعية، ومدة الدراسة في بعضها أربع سنوات وبعضها الآخر خمس سنوات، وما يميز هذه البرامج أيضا أن بعضها يعد معلماً شاملاً «معلم/ة صف» يدرس عدداً من المواد وبعضها الآخر يعد معلماً متخصصاً.
ومن المتوقع أن تسهم تلك البرامج عند تنفيذها بجودة عالية في قدرة الوزارة على تحسين مركز المملكة في التنافسية العالمية في جودة التعليم على المستويين العربي والعالمي.
وبالنسبة لتوجه الوزارة الأخير المشار إليه في أول هذا المقال فهو توجه نحو اتخاذ اجراءات إدارية وتنظيمية داخلية في إطار صلاحيات الوزارة والمرونة الذكية التي تتطلبها إدارة قطاع ضخم كالتعليم، وترشيد الإنفاق عليه، وتعظيم الاستفادة من مدخلاته، غير أن التحول إلى نظام معلم الصف بدلاً عن معلم التخصص قبل تنفيذ البرامج التطويرية التسعة وضخ مخرجاتها في الميدان التعليمي سيكون له تأثيره المباشر في تدني جودة المخرجات لأن المعلمين الموجودين على رأس العمل حاليا غير مؤهلين لتدريس غير تخصصاتهم، حتى وإن كان خريجو كليات المعلمين منهم قد تضمنت خططهم الدراسية عشر ساعات من كل تخصص غير تخصصاتهم الرئيسة.
وأنا على يقين بأن وزارة التعليم يدرك قَادتُها، وخبراؤها البون الشاسع بين الأثر السلبي للأخذ بنظام معلم الصف غير المعد لذلك وبين الأثر الإيجابي للأخذ بنظام معلم التخصص، فمع توسع العلوم والمعارف وتنوع المهارات المعرفية وتعددها فإن معلم التخصص هو الأنسب والأولى وهو ما أوصى به مجلس الشورى في أحد التقارير السنوية السابقة للوزارة.
ونظراً لأهمية مهنة التعليم في صناعة مجتمع المستقبل الذي نريد وأهمية اختيار معلم المستقبل وتكوينه وتدريبه على رأس العمل، فإنني أرجو أن تتريث الوزارة في التحول إلى نظام معلم الصف، حتى يتوفر المعلم المؤهل لذلك، كما أرجو أن تقوم الوزارة بدارسة إمكانية إنشاء جامعة للعلوم التربوية، يوكل إليها توحيد إجراءات التخطيط لتجويد مهنة التعليم، وتحقيق أهداف إعداد المعلم في رؤية المملكة 2030 التي نصت على تحسين استقطاب المعلمين وإعدادهم وتأهيلهم وتطويرهم وتعزيز قدرة نظام التعليم لتلبية متطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل، وتنفيذ السياسات العامة المتعلقة بمهنة التعليم، وتلحق بها كليات التربية، ومراكز التدريب التربوي التابعة حاليا لإدارات التعليم، لتكون جامعة العلوم التربوية بيت الخبرة التربوي الوطني الكبير، وأداة الوزارة في تحقيق جودة التعليم، وتعظيم كفاءة المدخلات، وضمان جودة المخرجات.
خاتمة لأحمد شوقي مُحَذِّرَاً:
وإذا المُعَلّمُ ساءَ لحظَ بَصِيرةٍ
جَاءَتْ على يَدهِ البصائرُ حُولا