عبده الأسمري
يتفق البشر بمختلف أصنافهم وأفكارهم وأعراقهم على أمنية «السعادة» التي تتعدد اتجاهاتها وأبعادها وشروطها. في ظل أن القليل منها يملأ قلب «المعدوم» بالأَضعاف و»الفائض» منها يعمر وجدان «المشبع» بالاعتراف.
ومن حكمة الله عز وجل في هذا الكون توزيع «النعم» بطريقة ربانية مذهلة قوامها «الإعجاز» وقيمتها «الإنجاز» في ترتيبات محكمة لا يصل البشر إلى فهم تفاصيلها والإلمام بمصائرها.
للسعادة قطبان من الإنتاج والاكتساب فهنالك من يصنعها للآخرين فينعمون بها وينعم هو بنفعها في صفحة حياته وفي صحيفة حسناته.. فيعم النفع ويشيع الخير ويسمو الفضل ويعلو النبل في مشاهد «إنسانية» نبعت من «الإيثار» ونبتت من «التأثير» واتجهت إلى «الأثر»..
لدينا «خلل» أزلي في مفهوم «السعادة» والدليل أن هنالك من يمتلك المال والجاه والسلطان بينما يظل غائباً عن «اللذة» الحقيقية بها و»مغيباً» عن «الملذة» الواقعية» فيها.. فتراه مائلاً إلى مجتمعات «البسطاء» وماثلاً أمام مجمعات «الفقراء» باحثاً عن أسرار «تفتح» ورود الفرح على أرضية من الرماد.. ليجد أن السر يكمن في سقياها بماء «القناعة» ورعايتها بوفاء «الشكر» ومتابعتها بصفاء «الصبر».
صنع «التباعد» المالي و»التصاعد» المجتمعي فجوة بين السعادة والظفر بمكوناتها بين شرائح المجتمع فنجد أن فقيرًا بسيطًا ينام «قرير» الأعين وغني ثري يسامر «سهر» الأجفان..
السعادة مكون حياتي ومنطلق بشري ومنبع إنساني يرسم الابتسام على ثغر «الحياة» الصامت على «الظروف» المصمت على «العوائق» المطبق على «الآلام»..
للسعادة أبطال وصناع وقادة لا يحتاجون وثائق «الدراسات» العليا ولكنهم يعملون من واقع «الممارسات» العالية بهذه القيمة العظيمة التي تجعلهم «الأكثر» حظاً بالسعادة في مضامين الوقفات و»الأشهر» حظوة بالريادة في ميادين الخيرات.
هنالك من يصنع السعادة ويصيغها في متون «الفوائد» وشؤون «المنافع» فتنعكس بشائرها في الحياة وتتوزع هداياها في الدنيا وتتكامل نتائجها في الآخرة.. فعامل النظافة الذي يزيل «التلوث البصري» من أمام أعيننا يجهز لنا «هدايا» السرور بالنظر إلى جمال الأماكن.. والأديب الذي يرصف جسور «المعارف» يوفر لنا «بشائر» الابتهاج بالنهل من منابع الثقافة. والطبيب الذي يجهز وصفات «الدواء» يصنع لنا «عطايا» الصحة من أصول الوقاية.. والجندي الذي يحرس حدود «البلاد» يرسم لنا «مزايا» الأمان من أسس الوطنية.. وها هي مراسم «نتائجهم» تعمر حياتنا وتغمر أيامنا ونحن غافلون عن «بشائر» هذه الصناعة الاحترافية في نشر عبير الفرحة والبهجة في كل مناحي العيش والتعايش.
السعادة «منتج» مستهدف «وإنتاج» متاح و»نتيجة «حتمية يصنعها «النبلاء» في دوائر حياتهم ومدارات تعاملاتهم برسم البسمة على شفاه المحرمين وبذل المعروف في مخابئ المساكين وإيداع الإحسان في مصارف المعدمين, فيكونون «الأحق» بالاقتداء و»الأدق» للاحتذاء في مسالك الحياة حتى يكونوا «نماذج» مشرفة في صناعة «القيم» وفي صياغة «الهمم» وفي إشاعة الحسنى وشيوع المحاسن.
«الرحيل» قدر محتوم على كل البشر وحين يأتي يغادر الإنسان الحياة «خالي» المتاع و»فارغ» المتع ويترك وراءه «الأثر» ويبقى خلفه «الذكر» فما أن صنع للآخرين «سعادة» باقية في إعانة فقير أو إغاثة معدم وعلاج مريض أو عون مسكين أو إمهال معسر أو مساعدة محتاج فإن مآثره ستكون في متن «الاحتفاء» وسينعم بعبير «الدعوات» وسيغنم بوفير «الصالحات» لأنه أفرح القلوب وجبر الخواطر وأسعد الأفئدة وسر الأنفس وأبهج الأرواح بأعمال كانت مؤثرة في قلب «الاستذكار» موثقة في قالب «الاعتبار».
بين الأثر والتأثير تبقى «السعادة» البصمة الأنقى والسمة الأجدى في تاريخ الإنسان عندما تتحول إلى «رصيد» مديد انطلق من الذات واتجه إلى الإثبات في مضامين حياتية قاومت «الحزن» ووأدت «الهم» وهزمت الغم وصنعت «الفرح» ونشرت «السرور» في نفوس البشر وكانت «السر» الأهم في مواجهة الظروف وفي مجابهة المحن وفي ردع الظروف وصولاً إلى أهم مغانم الحياة وهي كسب «الاحترام» واكتساب «التقدير» والبقاء دوماً في متن «العرفان والامتنان».