نعيش كل ساعة من يومنا عبر أحداث تمر علينا بجمالها ومساوئها. بعضنا يبدأ يومه بأخبار جميلة صباحية لتغمر اليوم بالتفاؤل والسعادة، وأحياناً ينتهي بنا اليوم بأخبار حزينة لتمحي كل لحظة جميلة عشناها في ذاك اليوم. ويبقى الإنسان بعد إيمانه بالله عزوجل، هو الناطق والحاكم الوحيد باستمرارية هذه الأحزان أو السعادة، وكلها تحت مسمى النسيان.
إن النسيان من أهم النعم التي أنعم الله بها علينا. وهذه واحدة من النعم التي تجعلنا قادرين على خوض المعركة التي تسمى بالحياة. فلو لم تكن نعمة النسيان موجودة في حياتنا، فسوف تصيبنا أمراض نفسية وجسدية مختلفة نتيجة التفكير السلبي الدائم وتذكر كل اللحظات التي مررنا بها في حياتنا. وإن أكثر الأشخاص الذين يعرفون قيمة هذه النعمة، هم الذين عاشوا مواقف وتجارب صعبة ابتداء من فقدان قريب أو صديق، معاناة مع مرض ما، أوحتى الظروف الحياتية الصعبة التي قد تمر علينا جميعا. وكما قال أحد المفكرين»إذا كانت لديك ذاكرة قوية وذكريات مريرة، فأنت أشقى أهل الأرض».
إن النسيان هو قلب صفحة من كتاب العمر الذي يحتوي على العديد من الأقسام الحسنة والسيئة. فإذا انتهى يومنا، يجب أن نقرر بأن نقلب الصفحة بحلوها ومرها لنكون مستعدين لبداية يوم جديد يملؤه التفاؤل بإعادة المخزون لذاكرتنا بأشياء جميلة ومواقف تجعل ساعاتنا أجمل مما مضى. كما أن النسيان يساعد في تعزيز وتقوية العلاقات بين الناس، حيث إن لكل منا أخطاءه على نفسه وعلى غيره من الناس، فإذا لم نتمكن من النسيان والغفران لهذه الأخطاء، لظل جميع البشر متفرقين ومتباعدين عن بعضهم بعضا، وشتان ما بين الغفران والنسيان.
توقف عن قراءة هذا المقال للحظات بسيطة، وفكر فيما لو لم تملك نعمة النسيان فكيف سيكون حالك؟ هل سنحت لك الفرصة بالتفكير في علاقاتك مع من حولك، أخطاؤك التي ارتكبتها منذ ولادتك، المشاكل التي مررت بها طوال حياتك إما كانت اجتماعية أو معنوية أو حتى مالية. نعم، هذا هو المعنى الحقيقي للنسيان، وهو ولادتك أنت ويومك من جديد لاستقبال ظروف حياتية جديدة وإعادة نسيانها مع مرور الوقت فهذه هي الحياة.