مها محمد الشريف
قدر الشرق الأوسط أن تكون إيران من ضمن الدول التي تعيش فيه، فمن الضروري تذكير أنفسنا أن مضاعفة الشقاق وتحقيق الاستفادة القصوى منه هو ما تعمل طهران عليه، فقد طورت كل أنواع التنظيمات بانتظام، أفراداً وجماعات جعلوا أفكارهم أسيرة احتياجاتهم لا أنفسهم، وبمجرد التفكير في السياسات المعادية لأمننا ودولتنا نشعر باتفاقيات مشبوهة تحاك في الخفاء وضد مصالح المنطقة ودولنا.
لذلك لن يكون من السهل التعايش مع نظام إرهابي يعزز التناقضات وزعزعة الدول العربية ويرسخ الإرهاب ويقلب كل شيء رأساً على عقب، فالحقيقة هنا ليست اتفاقية ذات طابع اقتصادي بين البلدين، بل هو يسير في اتجاهات أخرى، لأنها تركز على تجاوز الأزمة الاقتصادية الكبيرة، وقد وجدت مرادها وغايتها، بالمقابل وجدت الصين إيران لقمة سائغة وهي منهارة تريد أن تتمسك بأي طوق نجاة، وخاصة بعد مرور عامين على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران (5 + 1).
والمشكلة التي تعانيها الصين هي الطاقة فهي تسعى إلى شراكة طويلة الأمد وبشروطها التي تفرضها، لا تريد أن تعتمد على الاستيراد فقط، بينما أمريكا تحاصرها في موضوع الطاقة وفي هذا الشأن لا يوجد أي بوادر على أن بكين مستعدة لتقديم تنازلات لواشنطن، من هنا نستطيع تحديد أوجه التشابه مع إيران فكليهما يحمل الشيء الكثير ضد أمريكا.
من المعروف أن تلك العلاقات غامضة والتحركات والمقاطع المرئية والمسموعة تخبرنا بأهداف اقتصادية صينية، ولكنّ هناك ثمة تسريعًا في قولبة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة بشكل كبير ولها رؤى مختلفة تتداخل فيها المتناقضات، وتقول صحيفة رأي اليوم اللندنية: «الاتفاق الذي جرت صياغته بين الحكومتين الصينية والإيرانية دون ضجيجٍ يتضمن شراكة اقتصادية وأمنية شاملة يمكن أن تمهد الطريق أمام استثمارات صينية بأكثر من 400 مليار دولار في البنى التحتية الإيرانية وقطاع الطاقة، وسكك الحديد والموانئ والصناعات العسكرية، وسيكون المقابل الذي ستَحصل عليه الصين إمدادات نفطية رخيصة ومنتظمة لنح 25 عامًا».
فهل هذه العلاقة بين بكين وطهران قد تسهم في كسر الحصار الأمريكي المفروض على إيران، أم هي بداية شرق أوسط جديد، إذا انقلبت موازين القوى الذي ستفرضه اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي ستوقعها طهران وبكين، وفي ضوء الثروات الطبيعية والأوضاع العالمية والتحالفات القائمة وتزعزع البنيان الاقتصادي تتواكب معها هذه المستجدات بتوسيع نفوذها عسكرياً، ولن يقتصر على محيط الصين في هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي، إذ أنشأت القيادة الصينية قاعدة عسكرية في جيبوتي على بُعد أميال قليلة من قاعدة أمريكية في البلد ذاته قرب باب المندب.
وهذه المقاربة تكشف تحركات الصين بإقامة قاعدة دائمة في إيران بعد اتفاقات أمنية وعسكرية وقعها الجانبان خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى طهران عام 2015، هذه الصورة توضح أن إحدى الاتفاقات الموقعة مع بكين تشمل تأجير منشآت في جزيرة كيش قبالة السواحل الجنوبية الإيرانية في مياه الخليج لمدة 25 سنة. ويمكن أن نعي، متخطين تنوع الشروط ولاتفاقات بين البلدين والمقدمات والتحليلات إلى الجزء الرئيس من الشرق الأوسط الذين جعلوه منطقة غريبة تداخلت فيها الثقافات والموروثات التاريخية بشكل كبير ومتنوع ومحط أنظار المستعمر والمحتل والمستثمر.
فهل تسمح أمريكا والغرب للصين بأن تستولي على نصيب الأسد بالاقتصاد الإيراني وهم الذين ضخموا دور إيران في المنطقة ووضعوها تحت رقابتهم لعقود طويلة، ثم تأتي الصين وتحصد ما زرعوه لسنوات؟