د. محمد بن إبراهيم الملحم
المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي والتطوير OECD تعنى بدراسة النظم الدولية ذات العلاقة بالنمو الاقتصادية والتنمية المستدامة والتطوير في كل الشؤون التي تكفل استقرار الدول ونماءها، ومع أن تركيزها على الدول الأوربية في الأصل إلا أنها تعنى بدراسات تشمل كل دول العالم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في تلك الدول، والجانب التعليمي له نصيبه الأكبر في اهتمامتها لكونه أخذ الأضواء في العقود الأخيرة كمصدر مهم للتنمية الاقتصادية وأصبح يلعب دوراً بارزاً لفت الانتباه مؤخراً خاصة ما حصل في الدول الآسيوية التي حققت نمواً دولياً له أثره الكبير. وقد أعدت المنظمة مؤخراً تقريراً حول التعليم في المملكة أصبح حديث المهتمين والمختصين في هذا الشأن، فهو الأول من نوعه، وبهذا المستوى والحجم والقيمة، ولهذا رأيت اليوم أن أعرِّفكم على هذا التقرير المهم. وهو يشير إلى أنه حظي بمراجعة كل من وزير التعليم الحالي د. آل شيخ والسابق د. العيسى، كما أن فريق البحث التقى عام 2018 بعدد من القيادات التعليمية في المملكة في كل من وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب والجامعات ومسؤولي التعليم المختلفين في كل من الرياض وجدة والليث، ولا أدري لِمَ اقتصر الأمر على الليث ولا توجد زيارات إلى المناطق الأخرى الشرقية والشمالية والجنوبية! وعلى أي حال فإن التقرير تضمن جوانب كثيرة مهمة تشخص وضع التعليم في المملكة، ولعلي ألقي الضوء على بعضها هنا بقدر ما أستطيع عرضه لكم -بإذن الله.
تشير مقدمة التقرير إلى رؤية المملكة 2030، ومن خلالها استخلص التقرير أن التعليم هو واجهة جهود السعودية لأجل تنويع اقتصادها ولتخرج من عباءة الاقتصاد النفطي التقليدية. ويرى أنه على الرغم مما تحقق في بناء نظام تعليمي يضع نفسه في المجال الدولي إلا أنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من التحسينات للوصول إلى مستوى مرموق من الجودة التعليمية، ويشير في هذا الصدد إلى نتائج الاختبارات الدولية وأهمية التركيز على نتائج التعلم، ويستبشر التقرير بما رصده من توجهات سعودية في الإصلاح التعليمي، وقد أشار إلى ثلاثة منها هي: نظام تقييم الطالب الجديد الذي يركز على التعلم، ولائحة الوظائف التعليمية الجديدة التي تعنى بالنمو المهني، والاهتمام بالتعليم في المراحل المبكرة حيث رياض الأطفال وأهميتها لتأسيس مهارات النجاح الأكاديمي. وتختم مقدمة التقرير أنه مصدر مهم لقادة التعليم في المملكة للإفادة منه في جهودهم الرامية إلى فهم أفضل لكيفية تطوير التعليم في المملكة لأجل تحقيق رؤية 2030.
بشكل عام فإن التقرير اهتم بأربع قضايا لتطوير التعليم في المملكة هي: تحسين الجودة النوعية للمدرسة من خلال تحسين الحوكمة والقيادة المدرسية، تحسين جودة مهنة التدريس، جعل المناهج وممارسات تقييم الطالب أكثر حداثة ومعاصرة، وتقوية مرتكزات تعلم الطالب. وفيما يخص الحوكمة والقيادة فقد وضح أن الإطار الجديد لتقويم المدرسة يقدم فرصًا لردم بعض الفجوات النوعية وعلى رأسها ضرورة إعطاء صلاحيات أفضل لقائدي المدارس ليظهر دورهم في تحسين جودة المدرسة النوعية، كما أشار إلى المركزية كمشكلة أخرى: فحيث إن النظام يبدو غير مركزي إلا أن ممارساته مركزية ولابد من توضيح الأدوار بشكل أفضل لكل من يمكن أن يسهم في تحسين المدرسة، ومن ضمن ذلك هيئة تقويم التعليم والتدريب لتتمكن من مباشرة أدوارها في المعايير والنظم وملاحظة المتغيرات المختلفة الجغرافية والاجتماعية وغيرها. وأوصى التقرير بضرورة أن يوجد في وزارة التعليم وحدة خاصة تعنى بالمخرجات التعليمية والتطويرية، ويكون هناك نشاط بحثي مركزي له دلالته وقيمته في قيادة التغيير وتكبير قاعدة أفضل الممارسات في الميدان. ونستكمل لاحقًا - بإذن الله.