أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: في هذا الأسبوع من يوم الجمعة المبارك: آثرت الحديث عن العدوان الأممي على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الطاهرة؛ وذلك هو العدوان الدارويني، والعدوان المنسوب إلى دركايم (أي العدوان الداركيمي، ثم الماركسي والفرويدي، والسبينوزي، والبرجسوني، وقوم (سارتر)، وقوم (كافكا)؛ وهذا المضغ الآثم في شد وجذب، وإبام ونقص؛ لأن أقطاب الصهيونية السياسية يعون ما يفعلون من أجل التضليل بمن يسمونهم (الجويم) شذرات التلمود، والبروتوكولات؛ وهم يعنون -قبّحهم الله- بظلمهم الأمة العربية المسلمة، وكذلك أهل الإسلام من غير العرب.
قال أبو عبدالرحمن: من اعتبر ذلك خرافةً من إخواننا المسلمين فعلى الله العوض، ثم يأتي هذا الطرح المتسلح بمغالطات العلم؛ (اكتشافاً واختراعاً)؛ فيتلقاه الفلاسفة من غير دائرة الصهيونية السياسية ببناء فلسفي صادق لا يقدر حقيقة التضليل، ويتلقاه الحاوون على أنه تفلسف صادق؛ والإلحاد لم يكن قط نتيجة علم مادي، ولا نتيجة تفكير عقلي صادق التحري، وإنما الإلحاد وليد حريتين إراديتين، وليس وليد إيجابية فكرية: الأولى: حرية شبهات الفكر، وشحذه على صنع المغالطة، وهذا دور الأمة الغضبية في ميدان الفلسفة.. والثانية: حرية شهوات النفس التي هي شهوات الفكر في التفلسف، وهذا دور الأمة الغضبية في الفلسفة والفنون الجمالية، والقانون، والإعلام، والأخلاق، وتفسير الأديان.. ثم يأتي الحاوون وصادقو التلفسف، فربما بدت لهم الشهوات والشبهات حقائق، وربما عجزوا عن النهوض من بؤرة الشهوة، وربما عجزوا أيضاً عن التحرر من نير الشبهة لقوة الإعلام في عملقة قزم وتقزيم عملاق، ولسياط الإرهاب الإعلامي بألفاظ مثل: الرجعية والتخلف وما أشبه ذلك مما يئد الجسارة على قول الحق واعتقاده؛ والتدين نفسه مما تصون عنه الفلسفة الحديثة مفكريها. قال أبو عبدالرحمن: ومن بركات المضغ البرجسوني هذه الفكرة الإلحادية الرائعة من كتابه (التطور الخالق): الذكاء تكون بتقدم متواصل على طوال خط يتصاعد خلال الحيوانات الفقرية إلى الإنسان.. وإن ملكة الفهم وهي ملحقة بملكة الفعل: هي تكيف تزايد في الدقة والتركيب والمرونة لشعور الكائنات الحية مع ظروف الوجود المهيأة لها.. ومن هنا فإن الذكاء (العقل) وظيفته هي غمس الجسم في الوسط الذي يعيش فيه، وامتثال العلاقات الخارجية بين الأشياء بعضها وبعض، والتفكير في المادة.
قال أبو عبدالرحمن: فهو يستعير من أخيه (دارون) فكرة تطور الإنسان من قرد المكذبة لخالق الإنسان، والقرد الذي أخبر أنه خلق آدم -عليه السلام- من تراب، وأنه أبو البشر.. لا بشر قبله، وأنه نبي كريم أهبطه إلى الأرض في كمال الخلق بفتح الخاء، والخلق بضمها، والدين، والمعرفة، والتربية، ويلزم من هذا أن الفرد في الجاهلية أذكى وأعقل وأعرف من صناع الأهرام، لأن الجاهلي جاء في سلسلة التطور.. وأن الهمجي من قوم عاد أذكى وأعقل وأعرف من نوح -عليه السلام- ومن آمن معه، لأن العادي أيضاً جاء في سلسلة التطور!!.. والدين عند برجسون استاتيكي، وديناميكي؛ فالأديان السماوية استاتيكية ناشئة من الأسطورة، والخرافات، والامتثالات الخيالية.. والبقاء بعد الموت ترياق يضعه الاعتقاد الديني، أما الدين الوضعي (الديناميكي)، (وهو الدين الحق عند برجسون)؛ فهو التصوف النصراني.. لا التصوف اليوناني، لأنه عقلي!.. وليس هو حب الإنسان لله، بل هو حب الله سبحانه وتعالى للناس؛ فجعل الرب عابداً، والمربوب معبوداً!!.. ويلي ذلك إلحاد وسفسطة بأسلوب مجازي؛ فمذهبه أن عقلنا غير قادر على إدراك الطبيعة الحقيقة للحياة، والمعنى العميق لحركة التطور، وأنى له أن يدرك الحياة، وما هو إلا جزء منبثق عن الحياة، وخلقته الحياة في ظروف معينة ليعمل في ظروف معينة؟.. لو كان ذلك في مقدوره لكان معناه أن الجزء يساوي الكل، والمعلول يمكن أن يمتص علته، ولجاز أن يقال إن المحارة ترسم شكل الموجة التي حملتها إلى الشاطئ.
والواقع أننا نشعر بأن كل مقولاتنا العقلية لا تنطبق على الحياة: من وحدة وكثرة، وعلية آلية، وغائية ذكية.. وعبثاً نحاول أن نولج ما هو حي في هذا الإطار أو ذاك، فإن كل الإطارات تنكسر، لأنها ضيقة جداً، قاسية جداً.. خصوصاً بالنسبة إلى ما نريد إدخاله فيها.
قال أبو عبدالرحمن: لست والله أعلم في أي عقل وجد (برجسون) أن العارف يساوي المعروف حتى يلزم من معرفة الجزئي للكلي أن الجزء يساوي الكل؟!.. ولست أعلم في أي عقل وجد أن الموجود المعلول يمتص علته إذا علم علة وجوده؟!.. وولسَ كل أحد يدعي أن العقل معرفة كل حقائق الوجود، وإنما يعلم ما غاب عنه من خلال ما حضر عنده من مدركات الحس، فيكون علمه علم أحكام كلية من خلال أفكاره الفطرية التي لا يخطو العلم دونها، ومعرفة وجود لبعض الأشياء، وعلم وصف لا تكييف من خلال أحكامه الفطرية الخالصة، ومن خلال آثار الموجود المشاهدة.. وهو علم كيفية وكمية لما يخضع لإعادة إحضار المعرفة بالحس المكرر (التجربة)؛ وليس في سياق (برجسون) ما يقتضي تمثيله الفضولي بالمحارة وشكل الموجة، ولا دلالة البتة في هذا المثال على نفي معرفة العقل لما هو جزء منه من الطبيعة.. وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.