سهوب بغدادي
لطالما بحثنا عن إجابة للتساؤل الأكبر: كيف أُصبح سعيدًا؟ فتتنوع الإجابات والاعتبارات من شخص إلى آخر، ومن ثم تأتي الإجابة وفق النواقص والثغرات والاحتياجات. (لو بس عندي فلوس.. أطفال.. وظيفة.. جمال.. إلخ، أكون أسعد واحد في الدنيا). وذلك غير صحيح؛ لأنني كنت واحدة من هؤلاء الأشخاص في يوم ليس ببعيد؛ ففي هذا اليوم نفسه من العام الماضي كنت أعاني من البطالة التي امتدت أربعة أعوام، عشت خلالها مشاعر الأسى على النفس، والحزن، واللوعة الدائمة للوظيفة المنشودة.. وهاأنذا بعد عام من حصولي على وظيفة أحلامي (وظيفة أحلامي بحق) أكتب لكم عن معنى السعادة. فهل أنا سعيدة الآن؟ نعم، ولله الحمد؛ لقد كانت الوظيفة تنقصني، ولكنني اكتشفت وندمت كثيرًا على تلك السنوات التي أحرقتها وأحرقتني من كثرة التفكير والملاحقة والهوس بأمر يتيم؛ فكتبتُ رسالة قصيرة إلى نفسي؛ لأضعها نصب عيني على الدوام: «سهوب بغدادي، أنت سعيدة جدًّا اليوم وكل يوم. لقد كنتِ تسعين خلف السعادة المتمثلة في أمر واحد، وهو الأمر الذي أنساكِ حياة زاهية وزاخرة بأمور أجمل. كنتِ تبحثين عن السعادة ولديك كل ما يجعلك الأسعد في هذه الحياة.. فحمدًا لله من قبل ومن بعد على الصحة والعافية وابنتك قمر ونعمة الأهل وصديقتك أروى التي تجمعك بها علاقة سامية أخوية، والأهم من ذلك نعمة راحة البال.. فكل يوم تذهبين إلى فراشك وأنت آمنة مطمئنة، وتكنين كل الحب للعالم أجمع.. لا تلحقي السعادة بل اجعلي السعادة تلحقك...شكرًا». من هذا النسق توافق منظوري للسعادة مع قصة (الخالة سعاد) - مفارقة عجيبة - إذا حاولت وصفها لشخص آخر. ستلجأ إلى جميع الأوصاف الإيجابية، كالبشاشة وسعة الصدر والكرم وحب الغير، ولكنني سأصف سعاد بالسعادة؛ لما في هذه الكلمة من المفاهيم العميقة. وكان لي نصيب جميل في معرفتها، والحصول على توقيع بخط يدها الحانية على قصة حياتها المليئة بالأحداث المؤلمة - للأسف - إلا أنها لم تخلُ من لحظات السعادة والمرح الاختياري. خالة سعاد صنعت سعادتها من دقائق الأمور التي قد نغفل عنها، كسماع أغناني أبو نورة خلال ساعات الانتظار في المستشفى، وهي أحداث تتسم بالسلبية في مجملها، لكن سرعان ما تتفحصها وستجد أن الأضداد لا بد أن تكون حاضرة في آن واحد. لمن يريد أن يقرأ قصتها ليستقي منها الأمل والشغف في الحياة فإنها موجودة على أرفف المكاتب تحت عنوان (قلب من السراة) للكاتب الدكتور إبراهم العثيمين. وقد لخصت الخالة سعاد مفهوم السعادة في رسالتها لأبنائها في آخر الكتاب بعبارات كالآتي: «كنتُ دومًا أظهر أنني ما زلت متفائلة.. أعلم أن لديكم الإيمان الأكيد في أعماق قلوبكم.. سوف نحتشد له جميعًا، تشحذنا تجارب الحياة.. أسأل الله أن يجعلكم من السعداء..». إلى آخر الرسالة التي ختمتها بجملة: «حفظكم الله لي. أمكم المحبة».
السعادة تكمن باختصار في (الحفظ لما لديك وفي حبك له). فشكرًا خالة سعاد.
دمتم بحفظ وحب جميعًا.