د. جمال الراوي
اتصل أحدهم يسأل عن جراح تجميل، عنده خبرة جيدة؛ لأنّ ابنه أصيب بجرح في وجهه، وذهب لعدة مستشفيات، ولم يجدها مُقنعة، ويبحث عن الأفضل لابنه حتى لا يترك الجرح نَدْبَة في وجهه؛ تبقى علامة فارقة فيه.. وللعلم؛ فقد تطوّرت تقنيات الطب كثيراً، وأصبحت معالجة ندبات الجروح مُمكنة بالجراحة وبالليزر، وتعطي نتائج باهرة، بينما لا تزال الأدويّة غير متوّفرة لعلاج الندبات التي أصابت القلوب والنفوس، ولنْ تستطيع كل فنون الطب والجراحة أنْ تُخفى عن العيون!
ندبات القلوب؛ تأتي على أثر جروح حفرت أخاديدها مواقفُ وأحزانٌ، ثم اندملت؛ لكنّها تركت أثرًا بارزًا؛ يدغدغ المشاعر الأليمة ويوقظها، بين الفينة والأخرى ... كلُّ شيءٍ فوق هذه الأرض قابلٌ للشفاء ... كم من كسرٍ ومَرضٍ شُفي تمامًا، وأصبح في ذاكرة صاحبه، لكنّ كسور الخواطر والخذلان والغدر تبقى عالقة في الذهن؛ لا تزول مع تقادم الأيام، وهي من الآفات التي تفتك بالقلوبِ والنّفوس، فتتكسّر معها الروابط بين البشر، ولا تبقى سوى المصالح والأنانية الطاغية.
أمّا جبر الخواطر المكسورة، فهو خُلقٌ عظيم وشريف، لا يقوم به إلّا من سَمت نفّسُه وتعاظمَ قلبُه وسلِم صدْرُه من الأحقاد والضغائن، ورجاحة العقل وسلامته إحدى الصفات الباهرة عند كلّ من شمّر ساعديه لتجبير خواطر الضعفاء والمساكين وحاول تطيْيبها، إمّا بالدعم المعنويّ أو بالمساعدة الماديّة ...ومسيرة كلّ إنسان في الحياة شاقّة ووعِرة، ودروبها ملتويّة ومتعرّجة، وقد يضيع في طرقاتها وينحرف عنها، فيقف حائرًا؛ ينتظر يدًا حانية، تأخذ به لتدلّه على الطريق.
نوائب الحياة ومصاعبها كثيرة؛ لا يستطيع أيّ امرئٍ أنْ يتجاوزها وحده، فهو يحتاج، في كثيرٍ من الأحيان، لمن يقف معه ويواسيه إنْ أصابته مُصيبة؛ ليمسح عنه الحُزن الذي حلّ به، ويُسْمعه كلماتِ المواساة ليهوّن عليه، ويشدّ من أزْره؛ ليمضي العُمر وذاكرة هذا الموقف النبيل عالقةً في الذاكرة لا تنمحي مهما تقادمت الأيام ... ومعظمنا نحتفظ في ذاكرتنا بأسماءَ أشخاصٍ وقفوا معنا وساعدونا لتخطي عائقٍ أو لتيسير أمرٍ كان مُعسّرَا، أو إنّهم صدّوا عنّا كيدًا، أو دفعوا عنّا شرًا، كان قد أصابنا لولا عونهم ونجدتهم لنا.
وقد تحدّث العلم الحديث عن متلازمة القلب المكسور Broken heart syndrome، وهي تشبه أعراض الجلطة القلبيّة، من آلام صدريّة وضيق في التنفس وغير ذلك، وهي تحدثُ على أثر موقفٍ حزينٍ، أو بعد فقدان عزيز وقريب، فيرتكس القلب ويُصاب بتغيّرات في عضلته، وقد وردت حالاتٍ عن أشخاص لم يعيشوا كثيرًا بعد موت أحد أحبائهم، كأنّ يموت أحد الزوجين بفترة قصيرة بعد موت زوجها، وكأّن رابطًا روحيًّا انقطع بينهما، فأثّر على من تبقى منهما على قيد الحياة، ولأنّ الجرح الذي خلّفه الفراق؛ لم يندمل ويبقى نازفًا، حتى يقضي على صاحبه.