«الجزيرة الثقافية» - حاوره/ محمد هليل الرويلي:
في حديث مع «الثقافية» عن قصص الذكريات، التي وصفها عبد الواحد الحميد لـ«الثقافية»، بأنها أحاديث لم تزل ذات صدى وامتدادات ترافقه في مسيرته الثقافية، التي جاء في مقدمتها بوح الحميد عن علاقته مع الصحافة، وتحديدًا صحيفة «الجزيرة»، إلى جانب القصة التي رافقت قراءتها مسيرة الحميد، وما تزال تستهويه، وخاصى تلك القصص التي سطر حبكاتها رواد القصة في العالم العربي.
ونحن, الآن في رجب سنة 1388هـ الموافق24 سبتمبر سنة 1968م
- لماذا عُدت بنا لذلك العام؟
- لنطالع «نصًا قصصيًا» نشرته (جريدة الجزيرة) في العدد 213 .
- أهو بهذا القيمة الفنية! تلفت نظرنا إليه بعد أن تجاوزنا الحداثة وما بعد الحداثة ووصلنا إلى النقد الحديث بمتعالياته النصية ومدارسه الجديدة 2020 ؟
- لا, هو لا يحمل أي قيمة فنية - وهكذا يقول صاحبه - كتبه في سن الخامسة عشرة عندما كان تلميذاً في المرحلة المتوسطة بمدرسة صلاح الدين بسكاكا بمنطقة الجوف، وكان النص القصصي الأول الذي كتبته، ثم كتب نصوصاً أخرى فاز أحدها بمسابقة القصة القصيرة لطلاب مدارس الجوف عام 1389هـ - 1969م. لكنه احتفظ به الآن كذكرى فقط، وليس لأنه يحمل أي قيمة فنية.
- أنت لم تجب حتى الآن لما تعود بنا للعام 1389؟
- حسنُ, حسن. سأخبركم لم عُدت, وماذا دار في نفسي حينها. أنا نفسي وجدت تفسيرات لبعض الأشياء التي كانت تشغلني. وعرفت السّر الذي ظل يتلاعب فيني «صوت» الكاتب ويسجرني نحوه ويأخذني وراءه إلى أمكنته كالمسحور! وأعيد ترديد صوته في كل خطاب يظهر فيه أو بيان يُلقيه حتى أبان الدورة التي شغلها عضوًأ في مجلس الشورى ونائبًا في وزارة العمل, فأعيد ريشة التسجيل. أستمع لحديثه ثانية! لكي لا أطيل عليكم, سيحدثنا هو عن (قِصّة) القصة، وحالته وأحواله في منطقة الجوف منذ ذلك اليوم.
- أهلاً بك دكتور عبدالواحد الحميد، يا لها من مفاجأة سارة! وأنت تعيد بوصلة البوصلة إلى الشمال تمخر عباب ذاكرتك الجوفية..
- حيّا، رد التحية بأحسن منها، وقال:
كنت أقرأ القصة القصيرة بشغف على الرغم من ندرة الكتب والمجموعات القصصية في الجوف في ذلك الزمان. وكان لدى الوالد - رحمه الله - مكتبة منزلية صغيرة استفدت من محتوياتها، ثم اكتشفتُ المكتبة العامة التي أنشأها أمير الجوف آنذاك عبدالرحمن بن أحمد السديري -رحمه الله. ولا تقل أهمية عن ذلك، القصص التي كانت تنشرها بعض المجلات والصحف التي كانت تصلنا مثل مجلة العربي ومجلة قافلة الزيت (في أوج مجدها) وصحيفة اليمامة (القديمة).
اتجاه إلى العمل الصحفي
في تلك الفترة قرأت قصصاً وروايات لعبدالسلام العجيلي ومحمود بدوي وطه حسين ومصطفى لطفي المنفلوطي ومحمود تيمور وجبران خليل جبران ومحمد عبدالحليم عبدالله وجورجي زيدان وتوفيق الحكيم وحامد دمنهوري وإبراهيم الناصر، وغيرهم من الكتاب، ولم تكن المجموعات القصصية لرواد القصة الحديثة متاحة، فلم أقرأ ليوسف إدريس ونجيب محفوظ مثلاً إلا متأخراً، ثم جاء طوفان القصة القصيرة السعودية فقرأت لجار الله الحميد وحسين علي حسين ومحمد علوان وعبدالله باخشوين وعبدالعزيز مشري وسليمان سندي وفهد الخليوي وعبدالله السالمي، وغيرهم، ولكنني كنت في ذلك الوقت قد بدأت أتجه للعمل الصحفي والمقالة الاجتماعية التي كانت تستهوي القراء في محيطي الاجتماعي آنذاك أكثر من القصة خصوصاً المقالات المطلبية التي تهتم باحتياجات الناس وقضايا التنمية في المنطقة، ثم استغرقتني دراسة علم الاقتصاد في مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وأخذتني في مسارات أخرى كتابياً ووظيفياً.
ما زالت القصة تستهويني
ما زالت القصة القصيرة تستهويني كقارئ، ليس أكثر، سواء القصة الكلاسيكية أو الحديثة. وكقارئ أيضاً، جذبتني الرواية والسيرة الذاتية قبل أن تصعدا إلى مقدمة الأجناس الأدبية الشائعة في زماننا. وكانت ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) والأيام لطه حسين بشكل خاص هي التي جذبتني إلى قراءة أدب الرواية وأدب السيرة الذاتية، بالإضافة إلى الأدب المترجم مثل روايات فيكتورهيجو وإرنست همنجواي وتشارلز ديكينز ودوستويفسكي.
كانت جريدة الجزيرة أسبوعية تصدر يوم الثلاثاء، ولكنها تأتينا متأخرة لأن الرحلات الجوية من الرياض إلى الجوف، لم تكن يومية، فقد يتأخر استلام الجريدة عدة أيام، وكنت أعرف موعد وصولها فلا أنتظر قدوم موزع البريد، بل أذهب أحياناً لاستلامها منه في مسكنه في حي الشلهوب بسكاكا، فهي تأتي بأسماء المشتركين وبعناوين الإدارات الحكومية، إذ لم تكن هناك مكتبات تجارية تبيعها. أما إرسال المقالات للجريدة، فكان يتم بالبريد، وما زلت أحتفظ ببعض إيصالات رسائلي لمحرري الصفحات بجريدة الجزيرة، ومنهم المرحوم الأستاذ طلعت أبو جبال الذي يعرفه العديد من الكتاب الناشئين في ذلك الزمان.
لقد كانت مرحلة جميلة من العمر، وكان الكِتاب والمجلة والجريدة هي هاجسنا، فكنا نتسقط أخبار الكتب التي يحضرها بعض المسافرين القادمين للجوف وبخاصة المعلمون من الجنسيات العربية، فنستعيرها منهم، وكان الكتاب الواحد ينتقل من يد إلى يد، ومن النادر أن تقتصر قراءته على قاريء واحد.