إعداد - خالد حامد:
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام مجموعة من مؤيديه في العاصمة البريطانية لندن أواخر عام 2019: «اليوم، يمكن لتركيا أن تبدأ عملية لحماية أمنها القومي دون الحصول على إذن من أي شخص».
على عكس مبدأ «صفر مشكلات» في الماضي، الذي اعتمد على قوة تركيا كدولة لها علاقات تجارية جيدة مع جميع اللاعبين في الشرق الأوسط، نجد الآن أن تركيا عمدت بشكل متزايد إلى عسكرة نهجها تجاه المنطقة بالإضافة إلى نهجها سلوكاً عدوانياً فيما يتعلق بالسياسات في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط واعتماد أردوغان على أسلوب المافيا سواء في الداخل أو الخارج.
في كل مجال من هذه المجالات، يثير الأتراك غضب الاتحاد الأوروبي وأعضاء حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، لكن رد هؤلاء غالباً ما يكون ضعيفاً للغاية بشكل يثبت أن أردوغان كان على حق عندما قال إن تركيا يمكن أن تشكل سياستها الخارجية دون الحصول على إذن من أحد.
لم تعد أنقرة راضية عن كونها مجرد رصيد للتحالف عبر الأطلنطي أو عضو طموح في أوروبا بل تريد أن تصبح مهيمنة قوة في حد ذاتها. على الرغم من القوة العسكرية التي اكتسبتها أنقرة لكونها عضوًا في حلف الناتو، فهي غير مقيدة بإستراتيجية متماسكة.
لم تحظ السياسة الخارجية التركية في أي مكان على اهتمام أكثر مما حصلت عليه في ليبيا. ففي نوفمبر من العام الماضي، اتفقت الحكومة التركية وحكومة الوفاق في طرابلس على ترسيم الحدود البحرية لكل منهما، على الرغم من أن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الطرفين ليس لها أساس في القانون الدولي.
وفي الشهر التالي، طلبت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مساعدة عسكرية تركية لتوجيه ضربات للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي سعى للإطاحة بحكومة طرابلس. لكن سرعان ما وصلت القوات التركية، إلى جانب الآلاف من مقاتلي الميليشيات السورية الذين وُعدوا بالمال والجنسية التركية للانضمام إلى القتال دعماً لحكومة الوفاق.
من غير الواضح سبب قيام أردوغان، الذي كان يعاني من المشكلات الاقتصادية والتحديات المصاحبة لوباء كورونا، المجازفة بمغامرة عسكرية على بعد 1200 ميل من أنقرة وما الفائدة التي يمكن أن تحصل عليها تركيا من هذه المغامرة؟
بغض النظر عن عقود إعادة البناء المربحة المحتملة للشركات التركية، فإن مزيجًا من السياسة التركية وثلاث مصالح جيو سياسية ذات صلة كانت وراء استعداد تركيا للتدخل بشكل مباشر في الحرب الأهلية في ليبيا.
أولاً، سعى أردوغان منذ وقت طويل إلى تسليط الضوء على أن المبادئ هي التي تحرك سياسته الخارجية مثل مزاعم دفاع أنقرة عن الحقوق الفلسطينية، وإصرارها على ضرورة رحيل بشار الأسد، ومعارضتها لثورة مصر في 2013، ودعمها حكومة الوفاق في ليبيا بحجة أنها معترف بها دولياً. والإيحاء أن تركيا تقف على نحو مستقل من الأطراف الدولية الفاعلة. بالطبع جميع تلك المزاعم التي يحاول أردوغان تبنيها الهدف منها تقديم خدمة لحزبه الحاكم لتلميع صورة زعيمه (أردوغان) في الصحافة لأن هذا الأمر شديد الأهمية بالنسبة له على ضوء طموحه للفوز في انتخابات 2023 على الرغم من ضعف الاقتصاد التركي وتراجعه باستمرار.
ثانيًا، تحركات أنقرة في ليبيا هي في الواقع تحرك مضاد للعلاقات المزدهرة بين اليونان ومصر وقبرص. رسمياً، لا يوجد عنصر أمني لما يُقصد به (كونسورتيوم) بين الدول الثلاث لاستغلال الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. عندما نظر الأتراك في هذه العلاقات المتنامية بين الدول الثلاث، والتي تحظى بدعم أمريكي، والطبيعة المتشابكة للمناطق الاقتصادية اليونانية والمصرية والقبرصية، يمكنهم أن يستنتجوا بشكل معقول أن حريتهم في الملاحة في المنطقة يمكن أن تصاب بالاختناق.
ثالثًا، القضايا التي تفرق بين تركيا ومصر معروفة جيداً. فالدولتان على طرفي نقيض من القضايا الرئيسة التي تعصف بالشرق الأوسط بما في ذلك سوريا وغزة وقطر. كما أن تركيا من أكبر المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تسمح لأعضائها المصريين الهاربين إلى تركيا بالعمل ونشر الدعاية المعادية للنظام المصري في جميع أنحاء العالم.
ليبيا تعد الفناء الخلفي لمصر، ولأن القاهرة تعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها جماعة إرهابية تعد جزءاً من الحكومة في طرابلس، فقد أيدت الحكومة المصرية قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر.
ما يجعل مغامرة تركيا في ليبيا لافتة للنظر للغاية هو إلى أي مدى ستؤدي تلك المغامرة إلى انحراف السياسة الخارجية التركية عن مسارها التي تتمحور في تحقيق الأمن القومي لأنقرة في سوريا والعراق حيث تبدو أهداف تركيا واضحة وهي تدمير حزب العمال الكردستاني وضمان ألا تؤدي الحرب الأهلية السورية إلى قيام دولة كردية على طول الحدود الجنوبية لتركيا يمكن لها أن تشكل تهديداً لأنقرة.
وفي بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، سلك الأتراك سلوكاً عدوانياً بلا داعٍ بهدف إفقاد اليونان لتوازنها.
بدون استراتيجية واضحة في ليبيا، قد يجد الأتراك أنفسهم دون غطاء دولي. وليس واضحاً ما الذي يجعل أردوغان يعتقد أنه قادراً على ضبط السياسة الليبية بطريقة تنهي الحرب الأهلية في البلاد.
للمصريين مصلحة في جارتهم ليبيا، مما يجعل من الصعب عليهم تقبل وجود تركي عسكري في الجوار. ويمكن للمصريين أن يجلبوا الكثير من القوة العسكرية وبأعداد هائلة يصعب على الأتراك تحملها في ليبيا.
كانت تركيا تثير ضجيجًا مؤخرًا بالحديث عن استراتيجية أمنية جديدة تسمى «الوطن الأزرق»، انبثقت من وجهة نظر معادية للغرب وشديدة القومية، ولكنها مؤيدة في كثير من جوانبها للتوجهات الروسية. من المفترض أن هذا المبدأ هو الموجه لمواقف تركيا العدوانية في المنطقة، خاصة في البحر المتوسط وليبيا.
مفهوم «الوطن الأزرق» كاستراتيجية وطنية، هو في الغالب تفاعلي ومرتبط بمزيج من المظالم والرومانسية في آن حول القوة التركية.
لذا لا ينبغي أن يكون مفاجئاً لأي شخص في أنقرة أن التحالفات الإقليمية قد توطدت للعمل ضد تركيا وأن الجيش التركي يشارك في مهمة مفتوحة في ليبيا غير محسوبة العواقب.
إن امتلاك القوة أمر مهم، لكن ما تفعله الدولة بهذه القوة هو ما يهم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* ستيفن أ. كوك هو زميل بمعهد إيني انريكو ماتي Eni Enrico Mattei لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية.
أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان «الفجر الزائف: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد».
- عن (فورين بوليسي) الأمريكية