خالد بن حمد المالك
منذ قيام مديرية الإذاعة والصحافة والنشر، مرورًا بإنشاء وزارة الإعلام بموجب الأمر الملكي رقم 57 وتاريخ 4-11-1382هـ وهي في حالة تجارب (ومد وجزر) مع كل من يتسلم حقيبتها، حتى أنها عُدّت من بين أكثر الوزارات عرضة لتغيير وزرائها، بما يفسِّره البعض بعدم قدرة بعض وزرائها - ولا أقول كلهم- على تشخيص حالتها، ووضع اليد على جانب القصور فيها، ومن ثم ضخ الكفاءات الفاعلة في شريان العمل فيها، بما جعل من القيادة في كل عهودها تأخذ بتغيير مَن يقود دفة الوزارة على أمل تحسين مستوى الأداء فيها، وجعلها بمؤسساتها وهيئاتها والأجهزة الأخرى التابعة لها في الوضع الذي يجعل منها قوة ناعمة مؤثرة في نقل صوت المملكة الحقيقي إلى الداخل والخارج.
* * *
كانت هناك اجتهادات لكل وزير، وبعضها كان يتناغم ويتناسب مع مرحلة كل واحد منهم، لكن صورة الوزارة ظلت كما هي دون تغيير مؤثر. كما كانت هناك محاولات للتجديد والابتكار، ومواكبة المستجدات، غير أن أداء الوزارة بقي في حدود هذه الاجتهادات، ولم يواكب مكانة المملكة وأهميتها وقيمتها في الساحات المحلية والإقليمية والدولية، دينيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، مع أن حصة الوزارة من ميزانية الدولة تكفي لتقدِّم عملاً إعلاميًّا مؤثرًا ومقنعًا وفاعلاً في كل ميادين ومجالات العمل الإعلامي المطلوب.
* * *
غير أن الانتظار الطويل لتحسين صورة الوزارة، وتحقيق فرص النجاح لها، وتمكينها من العمل الجاد والمبدع المتناغم مع رؤية المملكة 2030، لم يُفقد المعنيين والمهتمين أملهم في ولادة وزارة مبهرة بأفكار طموحة، مع تجديد يغيِّر الشكل والمضمون للوزارة بكل هيئاتها ومؤسساتها، ويضعها ضمن صفوة المؤسسات الإعلامية في العالم؛ وبالتالي فلا تغيب عن أنظار وأسماع الجمهور الذي يهتم ويتفاعل مع كل إعلام نشط، يكون قادرًا على تقديم نفسه بوصفه لسان حالهم بالقراءة والمشاهدة والاستماع.
* * *
أجل، وإن مرت الوزارة بمراحل تجريب وتجارب، وإن لم تكن مُرضية في كل فتراتها بالشكل الذي يتمناه الغيورون، فإنها الآن مع الدكتور ماجد القصبي وزير الإعلام المكلف - ولا أقول هذا من فراغ - تمرُّ بحراك غير مسبوق: اجتماعات متواصلة، وورش عمل، يقودها ويحضرها الوزير نفسه، ولا ينتهي أي اجتماع إلا وقد أُخذ بما تم تداوله من محاور لقرارات نافذة، وأخرى يحدَّد لها مواعيد لاستكمال المعلومات عنها، ومن ثم إقرارها. يحدث هذا ضمن التوجه نحو تحسين الأداء في هيئات الوزارة، وتلك التي تتعلق بالمؤسسات الصحفية، ومثل ذلك ما يتعلق بهيئة الصحفيين السعوديين.
* * *
هناك على طاولة الوزير القصبي ملفات كثيرة ومهمة، قد يكون طمرها الغبار مع تقادمها ومن طول الانتظار دون قرارات حاسمة، لكن الوزير المكلف بدأ في نفض الغبار عنها، وأخذ تجاهها قرارات مهمة، وتواصل حولها مع الجهات المختصة ذات العلاقة من وزارات وغيرها لإيجاد حلول لها؛ بما طمأن الإعلاميين بأن إعلامنا يتجدد، وأنه مُقبل على مرحلة جديدة مؤثرة، وأنه موعود بتغيير جاد يلامس مشكلاته، ويوفر الحلول لها، وفق ما رأيناه وتابعناه خلال الفترة القصيرة التي تولى فيها الوزير القصبي مهامه وزيرًا مكلفًا للإعلام إلى جانب احتفاظه بحقيبته الوزارية الأخرى وزيرًا للتجارة.
* * *
هناك معوقات كثيرة ولا شك، وهناك وقت يحتاج إليه الوزير القصبي لإيجاد منافذ وبوابات للاختراق منها وصولاً إلى الأخطاء وتصحيحها، وبما يشجعه لتزويد الوزارة بكفاءات وقدرات سعودية تنهض بها، وربما استدعت الحاجة استعانته بخبرات إعلامية أجنبية وعربية - ولو لفترة قصيرة - ضمن سلسلة من الخطوات المحسوبة التي قد يفكر فيها معالي الوزير، وهو الذي عاش منذ طفولته في بيئة إعلامية؛ إذ كان والده - رحمه الله - أول مواطن سعودي ينال درجة الماجستير في الإعلام؛ فتعلم منه أبجديات العمل الإعلامي، ومن ثم ممارسته.
* * *
تزامن الأمر الملكي الذي أُسندت به وزارة الإعلام للدكتور القصبي مع جائحة كورونا، ومع مرور العالم - والمملكة ليست حالة استثنائية - بظروف اقتصادية، وكان يمكن أن تلقي بظلالها على الأفكار الخلاقة التي يحملها الوزير المكلف؛ فتؤخر أو تعيق لفترة محدودة - ولا أقول تلغي - بعض الخطوات، غير أن ما سمعناه من الوزير، أو نُقل لنا، وهو يتحدث عن دعم الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد المفتوح والمحفز للإعلام، غير المرتبط أو المؤثر بالوضع الاقتصادي، طالما أن هناك إنجازات وخطوات تصحيحية ستتحقق لمسار الوزارة الجديد يجعلنا في زمن التفاؤل، وانتظار ما هو أفضل.
* * *
وإن التحدي الكبير - بنظرنا - الذي يواجهه الآن، وسوف يواجهه الوزير المكلف في المستقبل، يتمثل في حاجة الوزارة وهيئاتها إلى إسنادها بالكفاءات والقدرات والمواهب السعودية من خارج الوزارة؛ بما يجعلها ترقى في عملها وأدائها إلى مستوى التفكير والتنفيذ الجادَّين لتحديد نمط العمل الإعلامي المستقبلي غير التقليدي الذي ينتظر أن يقوده الوزير القصبي، بما عُرف عنه من جدية في العمل، ونجاح في كل موقع أُسند إليه. ومعاليه هو الآن فرصة الإعلام والإعلاميين ليحقق بحماسه وخبرته ما لم يحققه غيره، مدعومًا بثقة الملك وولي العهد لإنجاح مشروعه الطموح في تطوير وتحسين أداء وسائل الإعلام بعد سنوات من الانتظار والترقب.