سلمان بن محمد العُمري
للأمهات وللزوجات الصالحات أثر واضح وجلي في حياة الرجال، وأول الشواهد في أثر الزوجات الصالحات وأميز شاهد لنا أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها -فقد واست نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ورفعت من همته وشدت أزره؛ لما نزلت عليه الآيات الأولى فواسته ولاطفته بكلمات عظيمة حتى هدأ روعه وسكن خوفه، وأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها التي قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً ) رواه مسلم، والمقصود بطول اليد: كثرة مدها بالعطاء للفقراء، فقدكانت رضي الله عنها تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء، وتقول عنها عائشة( رضي الله عنها :( ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب بنت جحش، وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به لله تعالى) رواه مسلم، و أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: تضحي بنطاقها وتشقه نصفين وهو أغلى وأثمن ما تملك رضي الله عنها تقول: ( صنعت سفره للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أراد المدينة، فقلت لأبي: ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي قال: فشقيه ففعلت فسُميت ذات النطاقين) رواه البخاري.
وكم من العلماء والأمراء من وفقوا بزوجات صالحات معينات لهم فيما نبغوا فيه من علوم أوأعمال أو حتى صدقات، ولن ينسى التاريخ (عين زبيدة) زوجة هارون الرشيد وما أوقفته من الماء للحجاج.
ولا يقف حدود وتأثير المرأة الصالحة على أبنائها وزوجها ومساهمتها في دفعهم للخير ومساندتهم والوقوف المادي والمعنوي بل يمتد ذلك إلى إسهام بعض النساء في أعمال خير وبركة في مجتمعاتها سواء بالأعمال التطوعية أو بالإنفاق من أموالهن والتصدق على الفقراء والمحتاجين، وقد بين الله عز وجل أن العمل الصالح متاح للجميع وثوابه للذكر والأنثى قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: 97]، كما قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124].
وقد استوقفني مؤخراً خبر عن عمل إنساني نبيل لامرأة محسنة تبرعت بحمولة 40 شاحنة مقاس طويل «تريلا» من الأجهزة المنزلية الكهربائية من مكيفات وثلاجات لمساعدة الشباب على الزواج بجدة، إسهاماً منها جزاها الله خيراً في المساعدة لهم، واستفاد من دعمها أكثر من 700 بيت، وسهلت بذلك تكاليف زواج أكثر من 1400 شاب وفتاة من المقبلين على الزواج.
وهذه المرأة الصالحة والمحسنة الفاضلة أوسع الله عليها بالمال فوسعت على الناس زادها الله خيراً وبركة وتوفيقاً، والنساء شقائق الرجال في أمور كثيرة ومنها البذل والإحسان، وكم من مبرة وأعمال خيرية وأوقاف رأيناها تحمل أسماء متبرعات بذلن ذلك في حياتهن، وكم من امرأة بذلت صدقات وأعمال في السر لا يعلمها أقرب الناس إليها ابتغاء ماعند الله عز وجل.
ومن الشواهد الحاضرة على بذل النساء (المدرسة الصولتية) وهي من أقدم المدارس بمكة أنشئت عام 1289هـ، وقد أنشأتها امرأة من الهند وكان اسمها صولت النساءبيغم، وكثير منا سمع بقصص المحسنة موضي البسام -رحمها الله- وقصصها في البر والإحسان منذ مايزيد على مائة عام ولعدة عقود فكانت من أشهر المنفقات في الجزيرة العربية في زمانها بل تفوقت على كثير من الرجال حتى صارت مضرب مثل، وضرب فيها المثل الشهير ( إذا جاك ولد سمه موضي)، وقد قال هذا المثل إعرابي رأى من خيرها وفضلها مالم يره من الرجال.
إن النساء في تاريخنا الإسلامي وفي مجتمعنا المعاصر لم يتخلفن عن عمل الخير والأعمال التطوعية والجود بوقتهن وأموالهن في خدمة المجتمع، وكم من النساء من كانت بتوفيق الله سبباً في إحياء أوقاف والديها أو تنفيذ وصاياهم بعد أن تقهقر الرجال.