سام الغُباري
يُقال إن الخطر الذي لا تراه، لا يخيفك، وهو ما نلمسه في تصرفات الطغاة الذين تفوتهم حقيقة الموت، ولو أن «عزرائيل» كان يطوف الشوارع ليشاهده الناس، ما أذنبوا.
العلاقة مع الحوثيين في اليمن تشبه الموت كنهاية، عندما نرى دبابة في أيديهم نصاب بالفزع لأنه سلاح مدمر، وحين يزرعون ملايين الألغام في أحشاء الأرض ترعبنا فكرة التمزق، غير أن هناك سلاحاً آخر في أيديهم، سلاح خطير لا يُرى، يختبئ في الظل ويواجهون به الحكومة والتحالف دون أن يثير ذلك السلاح اهتمامات قصوى: إنه سلاح الاتصالات.
يغرق الحوثيون في بحر هائل من الموارد المالية التي توفرها ثلاث شركات للهاتف المحمول مقبوض عليها في صنعاء المحتلة، خلال ست سنوات حصد الحوثيون 3 مليارات دولار، يكفي هذا المبلغ الهائل لتمويل حروبهم العنصرية إلى ما لا نهاية.
في عدن، وقف وزير الاتصالات اليمني «لطفي باشريف» في لقاء صحفي قائلاً «إن شركة مفلسة اسمها (واي) وقفت مع الحكومة»! ولم يسأله أحد عن مصير التعامل المالي والخطورة التقنية التي توفرها المؤسسة العامة للاتصالات للحوثيين في مراقبة كل «جمجمة» تستطيع اغتيالها بالصواريخ الموجهة، لم يتحدث الوزير عن ذلك، ولم يبعث خطابًا إلى الاتحاد الدولي للاتصالات بوقف التعامل مع هيئة اتصالات تعمل تحت ضغط الميليشيا الحوثية وتصرفها.
قُتل «صالح الزنداني» نائب رئيس الأركان اليمني في هجوم صاروخي رصد هاتفه، وقتل أبو اليمامة، واستهدف مئات الجنود في مأرب، ووزير الدفاع ورئيس أركانه ومرافقوهم غير مرة، وسقط في الهجوم التقني المميت عدد من جنودهم المخلصين. سقطت نهم وأجزاء من الجوف بلعبة تقنية بارعة لم يحقق أحد فيها حتى اليوم.
التقنيون يقولون إن مراقبة أبراج الهواتف القريبة من مواقع عسكرية مهمة مثل معسكر صحن الجن في مأرب أو قاعدة العند في لحج، يمكنها أن توصل معلومات عن تجمعات عسكرية بحسب عدد الهواتف المتقاربة في مكان واحد، وسهولة استهدافها بإرسال طائرة مسيرة أو صاروخ مميت، وقد ضمن الأعداء الحوثيون أن ثمة صيداً كبيراً وحصاداً مراً ودامياً ينتظر ضحاياه.
تتحكم الميليشيا الحوثية بالمعلومة وتراقب مَن وما يحلو لها على امتداد الخارطة اليمنية، وحين تفتعل غزوة ما على أي منطقة لإخماد فوهات المقاومين الأفذاذ تعزلهم عن العالم بقطع الاتصالات، وتتوحش بدمار هائل، حتى تقضي على خصومها المحليين.
لا أعلم ما الذي يفعله مسؤول كل ما يملكه من منافذ ومؤسسات في يد خصومه؟ المساومات التي تحدث من تحت الطاولة تشي بأموال ضخمة لا تراها عيون المراقبين تتسرب من ألياف الاتصالات إلى جيوب فاغرة فارغة، تتعمد إبقاء هذا الركن الصلب في يد الحوثيين البغاة، تلك مأساة مبكية لا تقل خطورة عن وضع أياديهم على الأسلحة المهربة من المنافذ البحرية.
تحتاج الحكومة القادمة «الوشيكة» إلى رجال استثنائيين في تصرفاتهم وقراراتهم، والرجال موجودون!
.. وإلى لقاء يتجدد