كوثر الأربش
يقال إن هناك فيلاً مولودًا في حديقة، وقد تم ربط قدمه بحبل قصير، حينما كبر أزيل الحبل، لكن تفاجأ حراس الحديقة بأن الفيل ما زال يتجول في المساحة المسموح له نفسها عندما كان مقيدًا!
نعيش اليوم في المملكة العربية السعودية، بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمين - حفظهما الله - أزهى عصور تمكين المرأة. فقد حظي ملف حقوقها أولى أولويات القيادة الرشيدة، وتمت - بحمد الله - الكثير من الإصلاحات والتغييرات التي تعيد تموضع المرأة في المجتمع والأسرة وبيئة العمل. وما زالت بعض القضايا على طاولة النقاش وفي الطريق العاجل لتحقيقها -بإذن الله..
انقسمنا نحن النساء لثلاث:
1 - الأولى غير مستوعبة لمساحة التمكين المتاحة لها، ما زالت تدور في مساحة صغيرة، مثل صديقنا الفيل الصغير، مولود الحديقة (تفريط).
2 - الثانية استفادت فعليًا بطرق عملية وحكيمة من هذه التغييرات الكبرى، تحركت بكل مثابرة نحو تيسير حياتها وحياة من حولها بكل مسؤولية وذكاء، ارتقت، تفوقت، ونجحت.. (تمكين).
3 - الثالثة لم تتمكن من التفريق بين التمكين وبين البدائية، بدلاً من الاستفادة من تلك القرارات للوقوف على قدمها، والمضي نحو الاستقلال والعمل والمنفعة، أصبحت تدعو للانفلات الكامل من المسؤولية تجاه نفسها والأسرة والمجتمع.. (تطرف).
هذه الاتجاهات الثلاثة، متوقعة للغاية، لأننا - نحن النساء - تم أدلجتنا لعصور على عجزنا التام عن تولي شؤوننا بالاعتماد على النفس. لم يكن ينطبق مفهوم البطالة علينا، فمضت على المرأة سنوات من الجهل كمستهلكة وعبء على الأسرة دون أن تشعر أبدًا بأنها عاطلة. تمت تعبئتنا وحقننا بأفكار تمعن في عزلنا وإعاقتنا عن الفاعلية وعن لعب أدوار حقيقة ومثمرة في التنمية والعمل. يمكنني تلخيص تلك الحقبة بالآتي: كنا قابعات تحت هيمنة منبرين: منبر العزل ومنبر الاستغلال. الأول كان يمتص طاقتنا الفاعلة، يعزز من الركود والاعتمادية والمحدودية، حرمها من حرية الحركة، من الاستثمار الحكيم لعقلها. أما المنبر الثاني فقد استغلها - بالمقدار نفسه وباتجاه معاكس - ، دعاها للانحراف، والانفلات التام، والتخلص من مسؤولياتها نحو بيتها وأسرتها ومجتمعها ووطنها، أفسد مفاهيمها للحرية والاستقلال، لم يهمه تعليمها أو عملها بقدر اهتمامه باستغلالها والمتاجرة بجسدها. المنبر الأول كان ظاهرًا أما الثاني فكان خفيًا ويعمل في الظل.
بعد كل ذلك، تولد في زمن جديد كليًا، تشرق فيه شمس التمكين والفرص. دون أن نلتفت لضرورة تنظيم أفكارها حول مصطلحات الحرية والعلم والعمل والمسؤولية. إن التحضير الفكري بأهمية الإصلاحات التنموية والحقوقية. نحن بحاجة لمنبر جديد، ينشر قيم ومفاهيم وأسس عالم جديد لتمكين المرأة، ويحصنها من دعاة الانجراف نحو أي فكر يعيدها للمربع الأول لكن بأسماء جديدة. لقد حاربنا التطرف، وجففنا منابعه، فدعونا لا نترك فراغًا منبريًا يستغله المتلونون، وخصوصًا لنا نحن النساء.